هي ليست أغرب الفتاوى.. لكنها تصفعني في زمن التحدي الاجتماعي، حيث يصبح الاغتصاب حالة لا تطال الجسد، بل تخترق تجاويف الدماغ، فأن يسمح شيخ الأزهر بالإجهاض للأنثى المغتصبة أمر يبدو أكثر من هامشي، أو أنه يسير على "ضفة" الحياة التي لن تسمح للزمن الماضي بفرض قوانينه، لكن أن تخرج الفتوى بتصنيف جديد حيث يسمح بالإجهاض للأنثى المغتصبة ذات "السيرة الحسنة" فهو أمر ربما يدفعنا للبحث عن هذه المرجعية المعرفية، التي تتجاهل أن تحريم الإجهاض لا علاقة له بالأنثى فقط بل بإزهاق "روح" لا ذنب لها فيما حدث...

السيرة الحسنة حسب الفتاوى لن تقف عائقا أمام "الإجهاض"، أو حتى نوعية التفكير البشري بهذه "الجريمة"، ويبدو أن جمع "الإجهاض" مع "الاغتصاب" هو ما يجعل الأمر نوعا من التهويم الذي يسعى لتكريس "سلطة معرفية" ولو بالتذكير، فـ"الاغتصاب" الذي يقع على الإناث يتجاوز مسألة الحمل، لأنه فعل "ذكوري" أو "تسلطي" أو حتى امتهان للحياة، فإذا ولدت حياة جديدة بعد هذه الاستباحة فلأن الأنثى قادرة على الخصب رغم كل القسوة التي تحيطها.

لو أن الفتاوى تعلق على حائط واحد ربما لأدهشنا الرسم الذي تشكله وهي تبحث عن "شرعية" للفعل البشري، فهي تريد أحيانا "ضبط المساحة المتبقية من الحركة التي تجعل الحياة ممكنة، أو تترك للبشر قدرة على الهروب من القسوة التي تمارسها كل المرجعيات في حياتنا، وربما لن يبقى سوى "السيرة الحسنة" التي يتم فرضها على شاكلة القرون التي انطوت، على مقياس من يسعى لرؤية الأنثى بـ"فتنة" قادرة على قلب معايير الحياة، في وقت لا يستطيع أن يبعد هذه ّالفتنة" عن خيالاته المريضة.

"سيرة حسنة" أو "عطرة".. هي فقط لتبرير أي اغتصاب خارج عن مقاييس القيم التي يريدون وضعها، فإذا صادفتنا في الفضائيات "دعاية" للحجاب فإننا ندرك أن الشكل النمطي للأنثى يعود بأسرع مما نتوقع، وهو يعود اليوم على مساحة الإعلام "المعولم"، والفتاوى عبر الانترنيت، وحتى على طريقة شهريار في فرض قانونه على النساء.

ربما سننسى بعد أيام فتاوى "حسن النية" لكنها ستبقى في "تراثنا" الذي على ما يبدو أنه يتضخم بشكل لا يوحي إلا بالاضطراب.