في وجه "كل المتشككين" يريد بينيامبن نتنياهو أن يقدم "مفاجأة" توازي مهرجان افتتاح المفاوضات المباشرة، رغم أن هذا الأمر حدث بالنسبة للسياسة العربية ولكن على شاكلة "الصدمة"، فالمباشرة بالمفاوضات وعلى هذه الطريقة لا يدفع للدهشة فقط بل أيضا لقراءة المفارقات المتوقعة، أو حتى الاحتمالات التي يمكن أن تظهر خلال سير المفاوضات أو بعدها.
ليس هناك أية معطيات واضحة حول ما يمكن أن يقدمه التفاوض على مستوى "الإجراءات الإسرائيلية"، فموضوع تجميد الاستيطان لا يحمل حتى "حسن النية"، لأنه لا يعبر عن "مراجعة لتلك السياسة، بل التعامل مع "الحق الطبيعي" وفق الطريقة الإسرائيلية، لكن المفاوضات هي انتشال لفكرة الدولتين، ولموضوع الدولة اليهودية بشكل خاص، فعلى المستوى الإقليمي تحتاج "إسرائيل" إلى تكريس هذا الأمر في الآلية السياسية كي يصبح جزء من أي تعامل قادم، وفي نفس الوقت يؤكد على الجانب الرسمي العربي على الأقل مسألة "تغييب" الزمن الخاص بالصراع، وربما الأدبيات التي وسمت تلك المرحلة وأنتجت ثقافة تحتاج وفق "القناعة الإسرائيلية" إلى تبديل أو تغيير.
من "التجربة الإسرائيلية" في التسوية يبدو "تاريخ الصراع" أكثر الأمور تعقيدا، فهو قريب جدا، وفي نفس الوقت يملك نتائج سياسية على الأرض، وأزمات التسوية كانت تظهر دائما في هذه النتائج التي تريد "محاسبة إسرائيل" أحيانا أو تمسك بإزالة النتائج مثل موضوع "حق العودة"، بينما تسير المفاوضات اليوم نحو جعل هذا الموضوع "فلسطينيا" بالدرجة الأولى، وعربيا أيضا عندما يتم الحديث عن استيعاب عملية التسوية بأكملها، فالجدل حول "العودة" و "القدس" وقضية الاحتلال أكثر حضورا بين الأطراف الفلسطينية، وهي أيضا محور خلاف عربي - عربي، لكنها ليست في إطار التفاوض الذي يملك آليتين:
الأولى الاهتمام بالأمور التقنية التي تضمن الارتباط بين طرفي التفاوض، حيث شهدنا لجان تنسيق أمني وأخرى دولية للمراقبة والمتابعة، واتصالات عبر وسيط ثالث لتسهيل التعامل مع بعض الملفات، ومع كثرة الاتصالات الميدانية فإن مسألة التفاوض أصبحت شكلا لا يملك وظائف واضحة، فـ"السلطة الفلسطينية" وعلى مستوى الجهاز التنفيذي متداخلة مع عدد من "الأجهزة الإسرائيلية"، وذلك بغض النظر عن الاتهامات بمسألة العمالة أو التنسيق مع "الأجهزة الأمنية الإسرائيلية"، فآليات التفاوض السابقة كانت مسؤولة بالدرجة الأولى عن خلق هذا التشابك الذي يوفر ضمانا لـ"إسرائيل" على الأخص بعد الانتفاضة الثانية.
الثاني جعل التسوية حالة منفصلة عن المفهوم الذي ظهر بعد حرب عام 1967 الذي يتحدث عن السلام الشامل (مع التحفظ على المصطلح)، فالتسوية يمكن أن تسير في ذروة الحروب والاعتداءات الإسرائيلية، وهي غير خاضعة للمراجعة في ظل انتكاسات التسوية المتكررة أو التوتر الدائم أو فشل المفاوضات على المحاور الأخرى، فهي غير مرتبطة لا بأمن المنطقة ولا بمسألة "الحقوق" الخاصة بالفلسطينيين والعرب.
عمليا فإن المفاجآت المتوقعة من قبل نتنياهو تتنافى مع الظرف التفاوضي الحالي، ولكنها بلا شك "دهشة" على الجانب الآخر لأن السياسة عربيا تشكل مصطلحات جديدة مع كل حقبة تفاوضية، وهو أمر لا يهدد السياسة وحدها بل ثقافة المجتمع المستقبلية.