الكاتب : نضال الخضري

لا استطيع أن أحيد مشاعري وعلى الأخص بعد أن تحدث سيف الإسلام القذافي، وجعلنا ننتظر ساعات رغم أن "توقع الجديد" كان بعيدا على الأقل عن تفكيري، فسير الحدث حمل معه إيقاعا مختلفا بينما كان الإعلان عن كلمة لـ"نجل" الرئيس القذافي تشبه سيناريو سابق وربما يعود لزمن مختلف عندما كانت "الإذاعات" تقول: انتظروا بيانا هاما.

لكن بالفعل لم أندم على الانتظار والسهر، لأن المنطق الذي تحدث به يحتاج بالفعل لهذا الانتظار كي نقتنع أن الإنسان الذي يتواجد في الشوارع يختلف كليا وينتمي إلى زمن مختلف ربما لن يعرفه سيف الإسلام، فما يجري في شوارع ليبيا يبني "ظاهرة" ربما تكتمل على امتداد الشمال الأفريقي وتوضح أن ما يحدث "ليس عدوى" كما يطيب للرئيس اليمني الحديث عنه، لأنه يملك روحا خاصة، وحتى أكون موضوعية هو بالفعل محاولة لإخراج "نهضة" ربما افتقدناها بعد أن ضاعت ملامح "النهضة العربية" التي درسناها في الكتب، فنحن كأجيال لم نعش إلى في زمن "التوازن" و "الاعتدال" والبحث عن "العلاقات العامة" بدلا من العمق الثقافي الذي استخدمه اجدادنا حتى استطاعوا التعبير عن هويتهم بعد ستة قرون من الدخول في تماه مع السلطنة العثمانية.

بالتأكيد فإن استعادة تلك النهضة تبدو أحيانا قاسية، وهي في ليبيا تحمل معها شكلا يذكرنا بمراحل التحرر من الاستعمار عندما كانت المشانق تتدلى، أو "الكتائب الأجنبية" تفتح النار دون أن تشعر بأي ذنب، وفي المقابل فإن ما تحدث به سيف الإسلام جعلنا متورطين شئنا أم أبينا فيما حدث، فهو ما يزال يحمل رواية بأن "العرب" يتلاعبون بليبيا!! كيف؟ الأمر سهل طالما أن المشهد بالنسبة إليه مازال يقف عن "الوجوه الساكنة" أو غير القادرة على فهم ما يجري حولها، والحقيقة أن الرهان على أن هذه الوجوه قادرة على تقبل كل شيء ليس خياره فقط، وربما يكفي مراجعة التصريحات السياسية التي تصدر أحيانا في ذروة الأزمات لنتعرف على أننا كنا أمام سياسات ليست فقط لا تريد الانطلاق نحو المستقبل بل تعتبر نفسها مؤتمنة على الزمن، فتملك سلطة باتجاهات مختلفة، وهي مقتنعة بأنها قادرة على التحكم بـ"الزمن" وفق ما تراه مناسبا.

في هذا الزمن هناك جموح عربي بكل معنى الكلمة، وهو ما يدفعنا إلى استيعاب هذه الظاهرة التي ربما لا تحتاج للمشاعر بل أيضا للتعامل معه كي نحدد مصالحنا وأن لا نتركه يجرفنا بشكل عشوائي، فنهضتنا الأولى أضعناها لأننا لم نستطع استيعابها والاستفادة منها كنهضة وليس فقط كثورات ضد الاستعمار، فالنهضة السابقة دفعت أجدادنا لتحديد الهوية، وما يحدث اليوم ربما سيضع تلك الهوية موضع التنفيذ.