الكاتب : ربى الحصري

في المساحات الضيقة يبدأ البحث عن تبديل القوانين او البحث عن إجراءات لضمان حرية المرأة، وتظهر أيضا حروب على سياق الحجاب ونزعه وجرائم الشرف والتعسف وهي بمجملها تعكس الصعوبة في إحداث تحول ثقافي حقيقي يغير من التفكير تجاه المرأة عموما، ولكن في لحظات خاصة تبدو الأمور في منحى مختلف، فالإناث يقودون التظاهرات في مصر واليمن وتونس وحتى في البحرين، وتتحول المعادلة التي كانت سائدة حتى في الثقافة من قضايا التحرش إلى البحث عن الناشطات لتسجيل تصريحات ومواقف من قضايا سياسية عامة.

في المشهد العام فإن تطور حقوق المرأة لم يسير بشكل طبيعي، فالثورات التي تستوعب الجميع يصعب عليها بعد أن يهدأ الغضب التخلص من الثقاة القديمة بنفس سهولة نبذ الحكام او الأنظمة أو القوانين والأحكام السياسية، لكن ميزة الثورات أن تدفع الناس لقبول الجديد وربما الغريب، وبقياس الوضع الأوروبي فأن الثورة الحقوقية تجاه المرأة حققت منذ تاريخ الثورة الفرنسية (كنقطة إجرائية فقط) وحتى بداية القرن العشرين قفزات تعد سريعة مقارنة بتاريخ النساء الطويل منذ الثورة الزراعية وحتى القرن الثامن عشر.

عمليا فإن مائتي عام لتسجيل حقوق للمرأة يعتبر قياسيا بأدوات العصر في تلك الفترة، فالمهم أن التفكير بهذه الحقوق شكل نقطة الانطلاق بعد أن تحول النظر للمرأة في ظل الثورة الصناعية وأصبحت جزءا من الإنتاج، فالحراك الاجتماعي العام غالبا ما يدفع المجتمعات نحو كسر حواجز الخوف التي تسود عالمه القديم، وهو ما يجعل التحول ليس في موضوع المرأة فقط قابلا للتحقق، فهل يمكن الحديث عن ثورة في عالم النساء نتيجة ما يشهده العالم العربي؟

نحن نملك صورا جديدة وغير مألوفة، فمهما اختلفنا على زي المرأة لكنها كانت ضمن البيئة التي ظهرت بها الثورات، فهي منقبة وسافرة وغاضبة ومعلقة على الأحداث، وما بقي حقيقة هو صوتها المميز وسط تلك الأحداث المتسارعة، وهذا الأمر يعني في النهاية أن تلك الثورات التي ظهرت وسط اتهامات لها بالتدين وأحيانا بالتطرف، ورغم اتهام البعض للثورة التونسية بأنها ضد العلمانية، وللمصرية بأنها تحمل رموزا دينية، ولليمنية كثورة كقبائل وحتى للبحرانية بأنها مذهبية، لكن النساء كن حالة طبيعية فيها مهما اختلف صورهن أو طريقة تعاملهن مع التقاليد.

ربما يعني هذا الأمر أن قضية تحرر المرأة يمكن أن يعاد صياغتها بغض النظر عن المسائل الخلافية التي كنا نعتقد أنها نقطة البداية، فالمهم وفق وجهة نظري على الأقل هي قدرتها على انتزاع مكان لها في الحياة العامة دون أن يكون هذا المكان مجرد بروتوكول أو منحة وهبة من جهة معينة، وبعدها يمكن أن يُصاغ التحرر بشكل مختلف ولكنه يحقق نفس الأهداف.

ما قدمته المرأة في الثورات شكل صورة ذهنية هامة لها، فهو أزاح الشكل التقليدي للحجاب، ومسح أيضا المظهر الاستعراضي للنساء المتحررات فكسروا حالة "الفئة" المعزولة عن باقي النساء، وتبدل مفهوم "الاختلاط" الذي يشغل بال الجميع متدينين أو حداثيين، ففي النهاية هذه القضايا لا تتحقق إلا في بيئة قادرة على كسر حاجز الخوف من الآخر وتقبل المجتمع كحركة حيوية نحو المستقبل برجاله ونسائه...