الكاتب : نضال الخضري

المشكلة أن مسألة "الحياد" تنسحب سياسيا فقط، في وقت لا نستطيع التوقف فقط أمام المواقف المطروحة لأن ما يحدث في سورية يخلف ضحايا ثم يختلف المعلقون عن "المسؤول" عن سقوطها، وبالنسبة لي فأنا لا أستطيع إلا التوقف عند الدماء، فأترك الجدل الخاص بالروايات لأنها أمر يصعب حسمه في لحظة، ويصعب أيضا التفكير بأن من سقطوا يمكن نسيانهم بتغير "الظرف" السياسي أو الزمني.

الانحياز للضحايا يحمل معه أيضا صورة التجوال الاعتيادي لبعض الفضائيات في تلك المدن السورية التي نكتشفها من جديد ونلمس مشاكلها، فيتحول الانحياز من خلال الكاميرات صخبا يسقط القلب أمام "التلون" الذي يحمله الشارع السوري في لحظة، ثم ينتقل إلى لحظة أخرى طارحا كما من الصور، فنحن في النهاية أمام مجتمع يبحث في المستقبل سواء أصابه في بحثه أو أخطأ.

كنت أفكر يوم الجمعة في الصور الجميلة التي كنا نرسمها عن بداية الربيع، لكنني تذكرت أيضا أن الربيع هو موسم "الهواء" والتقلب، واسترجعت صعوبة تحديد الفصول الانتقالية داخل تلك الدول التي تحمل في طقسها وشعبها تحد دائم منذ فجر البشرية، وبالتأكيد لم يكن الخبر المتسارع من الفضائيات كافيا لإشباع فضول يتحرك وكأنه يكتشف وطنه للمرة الأولى، فنحن بالفعل خلقنا تكيفا ساذجا مع صور نمطية ليست فقط لجغرافيتنا بل أيضا لمؤسساتنا التي على ما يبدو اعتادت عدم التحرك... مؤسسات غير رسمية قادرة على الأقل على القراءة ليس لنفهم المطالب سواء كانت سياسية أو معيشية، بل أيضا لنتعرف على "الخارطة" سواء كانت اجتماعية أو سياسية او ثقافية.

ما حدث في سورية.. وطني... ومهما اختلفت الروايات هو الباب الذي يجب أن ندخل منه حتى يصبح "الدم" الذي سال عنوان مستقبل مقاوم وحر وقادر على رسم الغد، وما حدث أيضا بوابة تفكير كي لا نفهم المجتمع إلا بطريقته المعقدة والمركبة وربما المليئة بالمفاجآت، فإذا كان البعض يتناول الإجراءات الحكومية نقدا أو استحسانا، فإنني أريد فتح نافذة أوسع على المجتمع القادر على طرح الصور المتعددة فجأة، والخروج من الروايات المتناقضة إلى التفكير والإبداع والتحليل والتركيب والانتقال على المساحة الاجتماعية.

"هروب" في لحظة إعلامية أصبحت تحمل معها أكثر من الإرهاق والقلق، لأن المسألة باتت خارج المطالب والحلول وتركزت على "الدم" الذي سال وانتقل داخل وجداننا ليحرك فينا عصب الحراك القادم الذي يعرف أنه يريد إبداع رؤية لسورية... رؤية من مختلف الاتجاهات.. رؤية لمجتمع حيوي بامتياز.