الكاتب : نضال الخضري
هي خارطة طريق باتجاه قلبي، تسحب معها كل الدروب وتلتقي تحت قبة أخترعها أو ربما أتخيلها تظلل الجميع رغم "صغرها"، ورغم أنها تتحول في كل لحظة وتنتقل فتتعبني وأنا أتنقل كي أبقى تحت ظل خرافي يمحو من ذاكرتي أيام الشظف القديمة، ففي لحظات القلق أو التعب أو الخوف القاسي لا أجد سوى اسم واحد يمكن أن يجعلني أيقونة، فأنا وتلك الدروب على موعد دائم مع العشق الذي يصلبنا كل يوم... عشق بحجم تلك الجغرافية التي تضمنا أو تجعلنا أسرى لمساحاتها.
ربما تخذلني اللغة أو تستقر داخل حلقي لكنني مصرة على النطق والحديث، وعلى محاولة "الخلق" التي نتمتع بها جميعا في لحظة الدخول في المجهول، ففي دروب مدننا أماكن يمكن اكتشافها أو تعلمها، وفي تلك القرى المزروعة "معرفة" علينا اكتسابها، فهل كان علينا حضور الحدث حتى نمتلك خبرة لا علاقة لها بالسياحة، ولا ترتبط بخطط الإنماء أو الاستثمار؟ وهل نحن مضطرون للتذكر ولو بعد زمن بأن الأمكنة الساحرة هي في النهاية مكان للناس والمواطنين وليس للسواح فقط....
لا أعرف لماذا تبدو "خارطة الطريق" مرسومة بوجوه البشر، فمنذ شهر وأنا أتذكر أن علي استرجاع أسماء من أحب وربما تقبيل وجوههم حتى أتجاوز المحنة، وأدخل إلى المستقبل بذاكرة متجددة وليس فقط بأشرطة تبثها الفضائيات، فأنا، أو نحن نملك أكثر من مجرد زمن نقضيه على مساحات القادم، فهناك عشق يمكن أن يصادفنا ووجوه بريئة تبحث أو تشق الزمن باتجاه أفق علينا أن نبتكر الفضاء الخاص به، وهناك أيضا ثوان من الرغبة التي تجعلنا نختصر الوطن بنظرة أو حتى بخفقة قلب.
هل اعادتني اللحظة إلى اللغة القديمة؟ ربما لكنني مضطرة للهروب بعيدا عن الكلمات السريعة، أو الغرق في المعلقات، لأنني أحاول رص اللحظات ووضعها في سياق يجعلنا نتمسك بكل الآمال التي ظهرت سابقا أو نريد أن تطل علينا مستقبلا، فعندما تنهار الأيام فوقنا نعرف أن البقاء في النهاية لن يتركنا عاجزين عن حفر مسار مختلف ربما غاب عن عشاق "الإنترنيت" لكنه يظهر فجأة في كلمة واحدة تظهر على شفتين منسيتين فيبدأ الأمل.
هو ليس مطلقا أو مجردا.. فهو خليط الحياة فينا... وهو بعيد عن الرعب الذي يتملك البعض أو العناوين العريضة التي تهبط علينا فجأة من "الفيس بوك" لأنه بشر بدماء حارة وبنظرات قادرة على اختراق قلوبنا... هو وطن في النهاية لا يظهر لأننا نرغب أو نحتاج بل لأننا نحيا ونريده شرطا لنا بكل تناقضاته وربما بأحلام شبابه وابتسامات عشاقه... هو وطن لن يكون فوق الجميع لأنه في النهاية يحملنا معه "فوق الجميع".