الكاتب : نضال الخضري

هي تجربة شهر لكنها فريدة من نوعها، فالمسألة منذ البداية ظهرت خارج إطار العقل أو التفكير، لأن المطلوب هو تتبع الإعلام وربما تصعيد القلق ولو على خارطة من الوهم بأن ما يحدث في سورية يمكن التعرف عليه عبر رواية كاملة سواء من شهود العيان أو حتى عبر التصريحات الرسمية، لكن ما حدث أثبت أن الخبرات الاجتماعية ربما تكون متآكلة وأنها ليست فقط بحاجة لترميم بل لبناء مختلف تماما.

منذ اللحظة الأولى استطاع الإعلام أن يضعنا أمام معسكرين، والواقع أن المواطن السوري لم يكن يرى هذين المعسكرين فهو يعرف فقط أن أحداث تقع وتنتقل من مكان إلى الآخر، لكن التطورات الداخلية كرست مسألة "الطرفين" وعلى الأخص في الأيام الأولى لأنه في دمشق وحلب على الأقل كان هناك "مسيرات" ضخمة للوقوف "بوجه الفتنة"، ولا أريد أن أناقش هنا حقيقة المواقف التي طرحت لكن إذا أردنا القول أن هناك حدث جرى من خلال التظاهرات سواء كانت عفوية أو مرتبة ففي المقابل هناك مسيرات ظهرت بقوة في الشوارع في الأيام الأولى.

على صفحات التواصل الاجتماعي الطرفين كانا أوضح، ولا اعتقد أن هناك من أراد "التبجح" بحبه للوطن أو تأييده للمسار السياسي السوري، المسألة كانت حسب اعتقادي هو رفض وجود طرفين وظهور رغبة اجتماعية للاحتفاظ بالحالة الراهنة، لأن الحالة الافتراضية الموجودة في الانترنيت أو من خلال "الاحتجاجات مجهولة في عمقها، هي فقط حملت منذ البداية "رغبات" حقيقية لدى الناس لكنها لم تفصح عن نفسها إلا من خلال تصوير الفيديو.

التشويش الحقيقي جاء من الأجندات الإعلامية، فالسوريون وجدوا أنفسهم فجأة أمام سيل من الاهتمام وهو أمر لابد منه فهم يشهدون حدثا غير مسبوق في زمن عربي استثنائي أيضا، لكن هل أثر هذا الأمر على عمق المجتمع في المدن الكبرى؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي يمكن أن نتعامل معه لبناء تصور سوري، فخارطة الاحتجاجات مهما كان حجمها علينا أن نقرأها من اجل المستقبل، وربما لرسم معرفة بحجم التفاوت الاجتماعي الناشئ ما بين المناطق السوري، مع عدم إهمال أن علينا الدخول من جديد إلى العالم بمظهر سياسي جديد.

القلق على سورية يمكن أن يدفعنا إلى الإحباط، فنحن في زمن المراجعة التي جعلتنا نرى الأحزاب وكأنها خارج المعادلة، ونحاول البحث عن الشباب فلا نجدهم في صلب محاولة رسم المستقبل، فالتمثيل الذي ظهر لتلك الاحتجاجات لم يقدم حتى اللحظة وجوها مختلفة تحمل تصورات لا علاقة لها بأجيال الثمانينات، لكن هذا الإحباط لا يمنع من المحاولة الدائمة، فعندما نبحث عن مستقبل سياسي فإننا نبحث أيضا عن حراك تحمله مؤسسات سياسية وليس وجهاء وزعماء عشائر أو حتى رجال دين، وعندما نتحدث عن حراك سياسي فهو حكما خارج "الطائفة" و "الدين" والأثنية" أو أي حزب يمثل هذه الأمور... وأخيرا عندما نتصور سورية في المستقبل فإننا لا نستطيع تصورها عن تاريخها وعن حيويتها ودورها الإقليمي وحتى موقعها الذي يمكن بالفعل أن يبقى رائدا... فهل نحاول!