الكاتب : نضال الخضري

ربما لست من سكان دمشق... وأفترض أنني بعيدة عن الطبقة الوسطى... وأريد تصديق كل الصور الإعلامية التي حلت على ما يبدو بديلا لكل أنواع السلطة أو التسلط، فهناك مشهد لا يقدم افتراضات بل يريدني أن أصدق أن الحدث يجري دون أن أدري، وأن المواطن الذي يريد الحرية هو كائن مختلف عني، وأنا ربما سأشهد تظاهرات للحرية من وسائل الإعلام، لأن احتكار المواطن على ما يبدو ليس وظيفة سلطة سياسية يل سمة سلطوية يستطيع أي شخص ممارستها عندما يشعر أنه في موقع مختلف.

خارج المشهد السياسي هناك حالة أخرى علينا ملاحظتها، تبدأ في الفضائيات محلية كانت أو عربية أو حتى أجنبية، وربما تنتهي بمراكز الأبحاث التي أيضا تحاول خط طريق لها وسط الحالة السورية القائمة، فهل المواطن السوري هو الوحيد الذي يخضع لسطوة الإعلام أو احتكام القدر له؟ سؤال ربما يكون مفتاح الحرية التي نبحث عنها جميعا سواء تظاهرنا أو كتبنا أو حاورنا أو قررنا توقيع بيان أو حتى إقامة ورشة عمل، ففي الحدث الأخير لم نكتشف فقط عجز النخب الثقافية إنما عدم القدرة على التعامل مع أي "تحولات" سواء كانت سياسية أو اجتماعية، ففي النهاية لا نستطيع فقط أن نقف عند حدود ما يجري على أنه "شغب" سياسي، أو نرتاح لمبدأ "الاختراق" الذي يحدث للشعب السوري، ومشكلة "التحصين" ضد الفتنة أو وأدها هي أيضا مشكلة حقيقية وليست مجرد "بروشور" يتم تعليقه في شوارع المدن.

ربما علينا الاقتناع بأن ما حدث شأن عام بالدرجة الأولى سواء كان عدد المتظاهرين بالآلاف حسب بعض الفضائيات أو بالعشرات حسب فضائيات أخرى، وهو عام لنه طرق الحياة السورية بقوة ووضعها أمام الأسئلة المؤجلة كان البعض يتركها لأن المؤسسات الرسمية هي التي يمكن تحلها، وكان البعض يرى انها يمكن ان تحل نفسها بسهولة وهو رأي سائد حتى اللحظة وعلى لسان بعض المفكرين الذين يحللون الشأن السوري، وهناك فئة ثالثة تعتبر أنها لا تستطيع المشاركة نظرا لطبيعة المؤسسات القائمة في سورية وربما لتقنين الحياة السياسية.

بالإجمال يصعب إيجاد تحرك فاعل وسط ما يجري، فهناك مبادرة تريد الانطلاق من حلب باتجاه المدن السورية، وهذه الفاعلية الشعبية ضرورية من أجل "الشعور العام" داخل الوطن، لكن هذا الشعور لا يمكن الحفاظ عليه بحالات شعبية فقط بل لا بد من الحلول الواقعية والموضوعية الذي يتداخل فيه الشأن السياسي مع السكاني مع الاقتصادي، فلا أولويات اليوم لأي حل على حساب الآخر.

هناك خارطة للتظاهرات التي حدثت تحتاج لقراءة عميقة من أجل رسم الملامح العامة للحلول القادمة، وربما منها قانون الأحزاب أو الخطط الاقتصادية أو أي إجراءات قادمة، وهناك أيضا واقع سكاني لا يمكن تجاهله نشأ وتطور ربما بشكل مستقل في ظل محاولات اقتصادية استمرت على امتداد السنوات العشر الماضية.

سواء تم تطويق الأزمة الحالية أو طالت أو قصرت، او اعتبرناها ثورة أو مؤامرة، فالخطاب الإعلامي في هذا الموضوع لم يعد مجديا، وسورية تحتاج إلى عمل شاق لبلورة رؤية مختلفة، وتحتاج أيضا لمحاولة الابتعاد عن الخطاب السياسي السريع والمبتسر، فهناك حاجة للدخول في التجربة القادمة بإصرار على العمل وتحمل الأخطاء واستيعاب النتائج، ولكن قبل كل الشيء علينا البدء من المستوى الأول: الحدث عام وعلينا الشروع بالبحث عن الحلول.