الكاتب : مازن بلال

المشكلة الأساسية ليست في انعقاد مؤتمر للمعارضة خارج سورية، بل في كونه ينعقد في أنطاليا، ومن الجغرافية يمكن ان نفهم الحالة المعنوية التي يريدها المؤتمر، وفي نفس الوقت التركيبة التي يمكن ان تحكمه سواء في النتائج أو حتى في الحوارات، وإذا كانت مشكلة البعض في الشخصيات، فإن العوامل الأهم في التكوين الذي ينشأ كضغط إقليمي على الداخل السوري.

المؤتمر بذاته يدخل في إطار الرهانات الإقليمية والدولية، وفي داخله حركة مستمرة تدعي أن ممولين سوريين قاموا بدعمه، لكن المشكلة ربما تكمن في تشخيص المعارضة السورية، أو ربما في تحديدها وتصورها للجغرافية - السورية، فالقبول بمكان المؤتمر يقدم مؤشرين أثنين حول طبيعة التعامل مع الموقع السوري المستقبلي.

المؤشر الأول هو أن انطاليا التي يمكن ان تشكل بموقعها ضغطا باتجاه سورية، لكنها في نفس الوقت تجعل الخيار الجغرافي خارج إطار الموقع الإقليمي الذي يمكن أن تتعامل به سورية مستقبلا، فالمسألة ليست في قبول تركيا لاستضافة المؤتمر، بل أيضا في كسر التوازن ما بين سورية وجارتها الإقليمية مستقبلا، وحتى إذا لم يستطع المؤتمر تحقيق أي نتائج فإنه على الأقل أوجد الاهتزاز الأساسي بين الدولتين الجارتين، فهل يذكرنا هذا الأمر باعتراض تركية على وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في سورية قبل توقيع اتفاقية أضنة؟

ربما يفتح هذا السؤال مساحة الثقافة السياسية بوجه عام وليس فقط في إطار المعارضة السورية، فالقضية التي تبرز عند بعض المشاركين تعود بنا زمنيا إلى أكثر من أربعين عاما، فعندما يتم التعامل مع الرمز السوري من خلال استخدام العلم السوري زمن الاستقلال، فإن كل الظواهر السياسية التي عاشتها سورية غير معترف بها، فالمعارضة في بعض صورها تريد فرض سلطة على الماضي، أو ربما التفكير بأن اللحظة التاريخية توقفت دون أي حراك اجتماعي أو ثقافي والأهم "جيوبولتيكي" لم يغير فقط من المجتمع السوري بل أيضا من علاقة السياسة السورية مع محيطها.

نحن امام معارضة في الخارج وبعضها من رجال الفكر ربما تحلم بالديمقراطية، أو تملك تصورا لتطبيق هذه الديمقراطية، وهذا ليس حقها فقط بل حق لكل السوريين، لكنها في نفس الوقت تهمل عن قصد أو غير قصد أن النظام السياسي في سورية مهما كان شكله هو "نسيج سياسي إقليمي"، ومن هنا فإن اختيار المكان ربما له علاقة بموضوع "النسيج السياسي" وبالتالي الشكل السوري مستقبلا.

المؤشر الثاني هو نوعية المرجعية التي يريد تشكيلها مؤتمر أنطاليا داخل الأزمة السورية الحالية، وحتى يصح الوصف الحقيقي فعلينا إيجاد مصطلح آخر يشمل كل التعريفات التي ظهرت على امتداد شهرين من الحدث، فهناك "اضطراب" وباقي الكلام عن احتجاجات ومظاهرات ومؤامرات وعناصر مسلحة أو معارضة مسلحة، هي عناصر داخل "الاضطراب"، فالردود الاجتماعية على ما حدث هي أكبر بكثير من حجم الحدث لذلك يمكننا الخروج من التعريفات الكلاسيكية والبحث عن "الاضطراب" وما أحدت داخل التكوين الاجتماعي.

ومع الاحترام الشديد للضحايا المدنيين أو من الأمن والجيش، فإن الحدث بصيغة الاحتجاج والمظاهرات كان أصغر بكثير من الانعكاسات الاجتماعية التي ضربت بعض المدن السورية، لذلك فإن البحث في "الاضطراب" هو سلسلة طويلة تدخل فيها الديمقراطية والإصلاحات لكن جوهرها حركة المجتمع التي تخضع لـ"تشويش" كبير بات يحتاج لإنتاج جديد على الصعيد السياسي، وفي مجالات كبرى ثقافية بالدرجة الأولى، وما لم يظهر هذا الإنتاج فإن "الاضطراب" سيجد مرحلة اتزان جديدة ولكنها ضمن طور واحد يمكن ان يتصاعد لاحقا، فهل يشخص مؤتمر أنطاليا مثل هذا الموضوع، وعلى الأخص أن يحاول تشكيل مرجعية ستكون في النهاية لصالح ذلك "الاضطراب" لأن المؤتمر بذاته مهما امتلك من أدوات الاتصال لكنه لا يعيش "الحياة السورية" بتفاصيلها وتراكم الأحداث داخلها.

هناك ادوار سياسية يتم ابتكارها، لكن في النهاية فإن الواقع السوري ربما يبقى على حاله مالم يتم التأسيس لـ"معارضة" قادرة على الاعتراف بالمشهد السياسي المتكامل.