الكاتب : نضال الخضري

حتى ولو بقثي إيقاع الحدث مستمرا فإن ما يجري يمكن أن يرسم خطوطا باتجاهات مختلفة، فالمسألة ليست تشاورا أو حوارا أو رفضا من البعض وقبولا من البعض الآخر.. المهم أن هناك ما يحدث في دمشق أو حلب أو غيرها من المدن السورية المعلقة على صدورنا، فبعد ثلاثة أشهر يمكننا أن نرى "حراكا" لا يقتصر على يوم محدد وشكل بات معروفا سلفا، أو حتى آليات تبدأ برمي الحجارة وتنتهي في حدود البحث عن ضحية جديدة "يُطبل" لها الإعلام.

في فندق "سمير اميس" يجتمع البعض... هي مجرد حراك بغض النظر عن المواقف المعلنة حوله أو في داخله، لكنه ربما يرسم سياق آخر، وأقول ربما لأن المسألة ليست فقط بيد مجموعة واحدة، ولأنني أعرف أن من يريد التعامل بالشأن العام يدرك أن العوامل التي تحكم جغرافيتنا السياسية متعددة، وأنها لا تقتصر فقط على الرغبة بالعمل او المباشرة فيه، بل أيضا على إرادة تعرف تماما أنها تواجه أسئلة معقدة ما بين الداخل والخارج، وما بين صورة سورية التي نريدها وتلك المحكومة بقرارات مسبقة.

في حلب محاولة أخرى، وإن بدت أكثر اتجاها نحو تحديد المواضيع، أو اعتماد شخصيات ليست خلافية على الأقل بالنسبة للدولة، لكنها بكل الأحوال تحمل معها محاولة الخروج من الشكل الواحد للتعبير الذي برز فجأة على الساحة السورية، فمهما كان عدد الذين خرجوا في الاحتجاجات، أو حتى مهما اختلفت الروايات فإن الجامع الأساسي هو "نوعية العمل السياسي" القدم.

تجربة تمضي وهي في النهاية خط لا نريد استنزافه قبل أن يظهر، لكننا لا نستطيع أن ندرك كم هو قاس أن يبدأ "التشاور" على إيقاع هجوم مضاد، هل هي ضريبة التجربة الأولى؟ ربما أو لأن المبادرة كان مقررا لها أن تتشكل دائما على المحيط السوري أو حتى ماوراء البحار، وإذا كان البعض خطف المبادرة بالخروج إلى الشارع في رد عكسي، فإن العمل السياسي يبحث دائما عن نقطة يمكن عبرها رسم تصور مختلف عن السياق الذي تسير به الأحداث.

لن يسيطر المجتمعون في دمشق على حركة الشارع، وليس مطلوب منهم ذلك، ولا أحد يحمل أملا من أي تيار أو حزب صاعد أن يغير الاتجاه بشكل مفاجئ، فنحن نتحدث عن سورية التي تملك طيفا يتجاوز ما هو متوقع، ونتحدث عن تلك المدن والقرى التي أنتجت ثقافة الحداثة والأحزاب الأيديولوجية والثورات ضد الاستعمار الفرنسي، وأكثر من ذلك كانت مستعدة لتأسيس جيش بزمن قياسي كي تواجه الجيش الفرنسي القادم إليها، فهي أرادت قبل فرض الاستعمار بالقوة أو تقود معركة دولة ضد دولة؛ لتأسيس مرحلة تكشف أن الانتداب الفرنسي لم يكن يملك شرعية على الأقل داخل المجتمع السوري.

هذه الصور التي يمكن أن تدفعنا باتجاه الضوء الذي يمكن أن يخلصنا من الشد العصبي ليوم الجمعة، ومن التكبير بعد منتصف الليل بغرض الاستفزاز، فالكل مدعو للمبادرة وللتعامل مع أزمة لا يمكن أن نتركها تمر دون ان تحدث تغيرا في داخلنا على الأقل.