ببساطة ليس هناك نافذة لم يتم اقتناصها، ففي الحدث السوري يبدو الأمر وكأنه تسجيل نقاط، أو حتى محاولات إحراج دائمة لكل الإطراف، فالمعارضة تريد إحراج السلطة والسلطة تريد استباق الحدث، والدول الإقليمية تسعى لاكتساب أوراق داخل سورية، ولكن في النهاية فإننا نتحدث عن واقع غير مسبوق على الأقل منذ الاستقلال، فمهما حاولنا استقراء السيناريوهات تداخلت الخطوط من جديد، والسبب على الأقل ظاهريا هو ان الإرادة العامة لا تجد صور واضحة لمساحة المستقبل.

المحتجون اقتحموا الحياة السورية فجأة، والنشطاء ظهروا في كل وسائل الإعلام، وفجأة وجد المواطن نفسه أمام أزمة متعددة الجوانب ومهما كبرت عناوينها فإنها تمس حياته اليومية، فالحكومة استبقت الحدث وزادت الرواتب وكأنها تضع إطار صراع جديد وسط شعارات ظهرت بشكل لافت لتصبح سياسية، فتصاعد الشعارات يوحي وكأنها موضوعة في مراكز مختصة برسم مثل هذه الأمور.

في النهاية أصبح يوم الجمعة فاصلا، فالصورة التي ينقلها الإعلام وإن كان مبالغا فيها لكنها تحمل مؤشرات لضغط نفسي متواصل ليس على السلطة او حتى المعارضة بل على "الإرادة الاجتماعية" كي يتم استقطابها، وبهذه الصورة فإن مدينة حلب كمثال أو نموذج تقدم لونا واضحا، فالإشاعات حول التظاهرات استنفرت الوضع، ثم اتضح ان المسألة لم تكن سوى اختبار لمجتمع المدينة، لكن الإعلام اعتبر أن التظاهرات حصلت وأن حلب انضمت إلى لائحة الاحتجاج، فخرجت مسيرات مؤيدة للرد، وفي المحصلة كنا أمام سيناريو افتراضي لكنه وضع المدينة في دائرة الحدث، وشكل ضغطا على سكانها بشكل يجعل من الصعب الخروج من هذه الدائرة التي بدأت افتراضية أساسا.

هل الهدف تثبيت "التشويش" داخل المجتمع؟ ربما لكننا في النهاية نقف أمام الحدث بشكل مباشر ونتعرف على حالة من الصراع غير مألوفة، حيث من الصعب أن نصدق تلك القدرة العجيبة لعدد محدود من الأشخاص على التحكم بإيقاع البلد، لكن هذا ما يحدث لأن خروج عشرات أو حتى أقل من عشرة أفراد كافي لكي يقرر الإعلام أن مرحلة جديدة بدأت، فهل الخطأ بردود أفعالنا؟

ما يحدث يصب في "الفراغ الاجتماعي"... فالناس قد يرغبون حقا بحالة الاستقرار التي عاشوها سابقا، لكن المسألة لا تتعلق بالرغبة أو بإرادة متوفرة لكنها مشتتة في آليات تقارب إلى حد بعيد آليات التظاهر ولكن بأعداد أكبر بكثير... والتظاهر بذاته استفزازي ولكن في نفس الوقت فإن مجابهته تحتاج لقراءة في نوعية ردود الفعل التي يمكن أن تظهر بشكل معاكس لتلك الآلية المستمرة منذ ثلاثة أشهر وتحديدا يوم الجمعة.

نحن أمام تحد حقيقي فإما أن نجد آلية مختلفة أو سيبقى مسلسل الحالات الافتراضية التي تؤثر في النهاية على سلوكنا