على صفحة الوطن فقط يمكن أن نراهم، فمهما حاولت محطات التلفزة أن تنقلنا إلى مسار الحدث فإننا لا نستطيع الوصول إلى تلك النقطة التي تميز من ذهبوا، فإذا ما أصبح الاغتيال ثقافة معارضة أدركنا أننا نسير باتجاهات تعيدنا إلى زمن قريب أو بعيد، فنودعهم لأنهم أرادوا المغادرة وقرروا التحول إلى ذاكرة نأمل في أن تساعدنا كي نرسم أنفسنا من جديد، فقدرة البحث داخل الناس تختلف عن الصور المنقولة، وسقوط أحدهم لا يمكن أن يُكتب بشهادات فقط لأنه يلامس مساحة بقيت ساكنة داخلنا.

ليست مرثية لمن سقط أو اغتالته اللحظات وهو يمارس عمله، وليست أيضا نبشا لتاريخ أبو العلاء وهو يكتب عوالم داخل المعرة، فنحن أمام القادم رغم كل ما يحفره الماضي في داخلنا، ورغم التراث المجبورين على نقله من زمن لآخر، لكننا في النهاية أمام "اغتيال" وأمام محاولة كسر مساحة المستقبل لصالح "فورة الدم" و "هدر الدم" و "التكفير في ذروة الأزمة"، ونحن نواجه اغتيال المساحات التي تريد أن تكتبنا على صفحات القادم بأننا قادرون على ممارسة السياسة بدلا من القيام بغزوات، وعلى الدخول في إبداع عوضا عن ترديد المواقف.. عندها يأتي الاغتيال كي يلبي كل الصور المفروضة سلفا علينا وربما على مستقبلنا.

هو اغتيال لا يمس شخصا ولا حزبا لأنه ينتهك المجتمع، وهو خارج قانون الثأر لأنه يسعى لرسم ملامحنا على شاكلة القبيلة، ففي كل اللحظات التي نتتبع فيها الأخبار نتلمس أيضا فراغ يحاول البعض ملؤه بكل أنواع الماضي وبشتات التراث الذي يظهر وكأنه رمل قادم كي يحتل جغرافيتنا، فنقف ونحن مدركون أن هذا "الاغتيال" لم يبدأ بأنطون سعادة ولم ينته بسمير قناطري، ولم يعبر فوق غسان جديد ولم يخطف كمال خير بك، فهو جعلهم لحظات عابرة في تاريخنا لينتقل بنا إلى نوع من يقظة الوعي.

سنكره تلك المحطات التي فرقتنا، وربما سنعيد رسم ألوان جديدة فوق وجوه أطفالنا، لكننا سنبقى مع الاغتيال "تاريخا" لا يمكن أن يدعنا نجلس للحظة على أرض ثابتة، فنحاول أن نكتب الفرح في ذروة المرارة، ونسعى لرسم ابتسامة كي يعرف الجميع أننا لا نبحث عن الماضي، فنحن أمام الجميع ومعهم، ونحن نسوح ما بين المعرة والقامشلي وندخل حماه او ننتقل إلى دمشق ونتذكر أن السياحة بالوطن أصبحت جزء من صور الشهادة المنقولة يوميا على شاشات المحطات، فنستعيد ببعض الدماء تلك الجغرافية المنسية أو المغيبة من تاريخنا المعاصر.

مرة أخرى ليست مرثية ولا فرحا ولا مدعاة للمباهاة لأننا والاغتيال تاريخ يلتصق بنا وكأنه قدر يحفرنا يوميا على مساحة وطن لا يمكن أن ينفصل عنا فنحن مسيرة داخله، وربما مستقبل نثق بأنه قادم لأننا مؤمنون بأن البقاء للأمة....