يتركز السجال بين معتدلي اليسار واليمين في إسرائيل حول سؤال واحد: هل ثمة حدود ما ترضي الفلسطينيين كي يوافقوا على العيش بسلام مع إسرائيل؟ اليسار يعتقد ذلك ويواصل البحث عن هذه النقطة السحرية. أما اليمين فيعتقد أن الأمر أضغاث أحلام وأنه لا يمكن إرضاء الفلسطينيين وهم دائماً سيطلبون المزيد، بحسب كلام بنيامين نتنياهو.

السلوك الفلسطيني إزاء خطة فك الارتباط يبرر تقدير نتنياهو. فالسلطة الفلسطينية لم تتسلم بعد المناطق التي أخلتها إسرائيل في قطاع غزة، ومع ذلك تطلب المزيد. فرئيس السلطة محمود عباس، تبنى الادعاء الذي يفيد أن إسرائيل تواصل احتلال أراضٍ تابعة للفلسطينيين شمال قطاع غزة وشرقيه. وعندما طرح محمد دحلان هذا المطلب للمرة الأولى مقابل شمعون بيريس، قبل عدة أسابيع، تفاجأ الإسرائيليون لكنهم حاولوا تجاهل الموضوع. لكن عندما يتحدث أبو مازن عنه، يتحول المطلب إلى موقف فلسطيني رسمي.

المطلب الاقليمي (الحصول على أراضي) ليس مجرد مناورة في العلاقات العامة. بل إن له انعكاسات عملية: يرفض الفلسطينيون البحث في تطوير المعبر في إيرز بحجة أنه يقع ضمن أرض محتلة. وغداً قد يقصف أحدهم مستوطنة "نتيف هعسره"، الواقعة ضمن الأرض المتنازع عليها، ويدعي أنها حرب تحرير مبررة. "انتفاضة نتيف هعسره".

في ما يلي المعطيات التي فحصها شاؤول اريئلي، من "مديرية السلام" سابقاً ومن أصحاب مبادرة جنيف حاضراً: خط وقف النار الذي تحدد في العام 1949 باتفاقات رودوس بين إسرائيل ومصر كان مختلفاً عن المجال الحالي لقطاع غزة. لكن بعد عام على ذلك. في موازاة ترسيم الحدود على الأرض، جرى التوقيع على اتفاق تبادل الأراضي. إسرائيل حصلت على منطقة شمال القطاع، الذي توجد فيه اليوم مستوطنة نتيف هعسره ومعبر إيرز، وأعطت في المقابل أرضاً أكبر شرقي القطاع. هذه الحدود المعدلة بقيت سارية المفعول حتى 1967، ونشر على طوله جنود من الأمم المتحدة. في التسعينات نقلت الحدود إلى داخل اتفاقات أوسلو من دون أي ادعاء أو اعتراض من جانب الفلسطينيين. كما ظهرت هذه الحدود أيضاً في الخرائط الرسمية الفلسطينية التي عرضت خلال المحادثات حول مبادرة جينيف.
الآن يريد أبو مازن العودة إلى الخط الأصلي للعام 1949 وهو يتجاهل أن كل اتفاقات السلام وقرارات الأمم المتحدة استندت إلى الوضع الذي ساد على الأرض قبل حرب الأيام الستة، وليس على اتفاقات رودس. المهم هو أن يتمكن من إظهار أن الاحتلال الإسرائيلي في غزة متواصل وأنه لن ينتهي مع استكمال فك الارتباط. لكن شارون يرفض الاستماع: فهو حظر على الوزير حاييم رامون إرسال رسالة إلى دحلان، تتضمن موافقة على البحث في مستقبل المطلب الفلسطيني، مقابل استئناف المحادثات حول المعابر.

إن إصرار الفلسطينيين على مطالب لا أساس لها تعزز من نهج اليمين بأنه ليس هناك من يمكن التحدث إليه، وأن الفلسطينيين مبتزون وجشعون لا يمكن إصلاحهم، وأنهم يريدون فقط ازعاج إسرائيل وتقويض أرضها ومكانتها الدولية. فعباس يصرح أنه يريد العودة للمحادثات حول التسوية الدائمة، لكنه يبرر بتصرفه مواقف أنصار الحلول الأحادية الجانب، ويظهر أن الفلسطينيين لم يتعلموا شيئاً من عنادهم في كامب ديفيد. ومثلما تجد إسرائيل صعوبة في التحرر من عقلية المحتل، من الصعب عليهم أيضاً التخلص من موقع الخاضعين للاحتلال والمشتكين.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)