ارييل شارون الذي لا يريد "حماس" في العملية السياسية في المناطق الفلسطينية، يحصل عليها اليوم في العملية السياسية بإسرائيل. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يشترك فيها الارهاب الفلسطيني في السياسة الإسرائيلية، إلا أن شارون وقع هذه المرة في الجانب غير الصحيح من المتراس السياسي. فالآن جاء دور بنيامين نتنياهو للرقص حول النار، وشارون هو الذي يتعين عليه أن يشرح لناخبيه لماذا أعطى الفلسطينيين كل قطاع غزة وحصل على العنف. فنتنياهو، وحتى اسحاق رابين وايهود باراك، أعطوا الفلسطينيين أقل بكثير عندما اتهمهم شارون بالخضوع لإرهاب حماس.

ثمة شك في ان نتنياهو كان سيرد بطريقة مغايرة على اطلاق صواريخ القسام على مستوطنة إسرائيلية. وإذا أردنا استخراج العبر من لقاء المصالحة الذي جمعه مع ياسر عرفات في أعقاب أحداث النفق القاتلة في أيلول 1996، فمن المحتمل أنه كان سيتصرف بقدر أكبر من ضبط النفس، فالفروقات الايديولوجية بين الخصمين طفيفة جداً، كلاهما تعلم من تجربته الخاصة حدود القوة العسكرية، لكن أياً منهما لا يملك حلاً سياسياً للأزمة المتواصلة بين إسرائيل والفلسطينيين.
كلاهما يؤيد الجدران الفاصلة، جدار حديدي على طراز أعوام الألفية الثالثة، ويتجاهلان جدار الحديد الديموغرافي الذي يهدد الطابع اليهودي، الأخلاقي والديموقراطي لدولة إسرائيل، كلاهما ملتزم بتعزيز المستوطنات في الضفة الغربية ويعارض المفاوضات بشأن القدس وبشأن حل مشكلة اللاجئين. كلاهما يظهر اللااهتمام ذاته بموضوع تعزيز السلطة الفلسطينية مقابل حماس والجهاد الاسلامي، وبفوزها في الانتخابات الهامة جداً للمجلس التشريعي.

خارج التصريحات لا يوجد أي دليل على أن شارون سيقوم، في حال فوزه بثقة المركز، بتنفيذ التزام الحكومة بتطبيق خارطة الطريق أكثر من نتنياهو، فهو أعلن بنفسه ان الانسحاب من غزة فيه مصلحة إسرائيلية فقط، خطوة أحادية الجانب ليس لها أي صلة بالعملية السياسية، تقرير تاليا ساسون يعلوه الغبار في مكتبه بينما تنمو المواقع الاستيطانية على الأرض.

ومحمود عباس، الشريك الحصري له في المفاوضات على إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، يعتبر عنده شريكاً فقط عندما تشن حماس الهجمات ويكون بحاجة إلى كبش فداء. ومن يعرف، فربما يحاول حظه تحديدا "إذا اعطوا أخذوا، وإذا لم يعطوا لن يأخذوا" في صفقة مع الرجل الذي فرض عليه شارون وراثة اللاشريك التي ورثها عن عرفات.
وفي اليسار غاضبون أيضاً من الفلسطينيين لأنهم "يفوتون فرصة الحصول على دولة و"يتصرفون بما يخدم نتنياهو". فحزب العمل نسي أنه انضم إلى الحكومة فقط من أجل ضمان تنفيذ فك الارتباط. ولم ينجح شمعون بيرس ولو في أن يخلص من شارون بسط سيطرة السلطة الفلسطينية على المعابر الحدودية من القطاع وإليه، وهو الانجاز الوحيد الذي كان يمكن لأبو مازن أن ينسبه إلى نفسه. فوزراء حزب العمل عادوا ليلعبوا دور الخرق البالية لشارون وتمكنوا من أن يسجلوا لصالحهم المزيد من عمليات القصف، التصفيات، الاعتقالات، الحواجز والاغلاقات.
ربما يكون الأمل في ان يكون شارون تغير والشعور في أن نتنياهو لم يتغير هو الذي يجعل التصويت في مركز الليكود يبدو كصراع بين حمائم وبين صقور. وربما يكون زوال الوسط الصهيوني هو الذي حول شارون إلى الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه في مطلق الأحوال، فان الجلبة في الجنوب والتوتر المتزايد في الضفة يعيد المواجهة بين شارون وبين نتنياهو إلى أبعادها المناسبة له، صراع قوي داخلي في حزب يميني مبتلٍ بالتلوث. ومن يفوت الفرصة السياسية النادرة للنهوض جراء أزمة الليكود هو معسكر السلام الإسرائيلي.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)