كيف يمكن لمواطن عربي ليس سياسياً أو لأب ثكل أن يفهم منظومة العلاقات بينه وبين دولة إسرائيل؟ في اسبوع واحد يسمع في الاخبار ان وحدة التحقيق مع رجال الشرطة "ماحش"، قررت اغلاق ملف التحقيق في أحداث تشرين؛ وبعد ذلك بيومين مع اقتراب ذكرى تلك "الاحداث" يوضحون له ان الشرطة جيدة بالرغم من كل شيء، وانها مستعدة لفتح ملف التحقيق. ويتبين في نفس الاسبوع للمواطن العربي المسيحي ان الشرطة لم تجد معطيات تثير شبهة الاتهام في تورط افراد شرطة دروز في الاضطرابات التي شهدتها قرية المغار قبل سبعة اشهر والتي فرغت القرية في اعقابها من سكانها المسيحيين.
مشكلة ذلك المواطن العربي الذي لا يوجد له، ظاهرياً، اهتمام شخصي في عملية التحقيق، لا تكمن في فهم التواءات القانون أو حكم الادلة الجافة التي استخدمت كذريعة لتجميد عملية التحقيق، ذلك لان الوسط العربي مليء، ليس اقل من الوسط اليهودي، بكتائب المحامين الذين يعرفون بالضبط متى يمكن التقديم للمحاكمة ومتى لا توجد احتمالية لادانة المشبوهين، حتى اذا كانت تهمتهم واضحة للجميع. المواطن العربي لا يحتاج الى تجاهل المستشار القضائي ولا الى تصريحات اعضاء الكنيست العرب حتى يدرك ان احتمالات نجاح المحكمة في ادانة شرطي ضئيلة جداً.

ولكن من الاجدر الالتفات لمطلب المواطن: التحقيق والمحاكمة، اي ان ما يطلبه في نهاية المطاف هو ان ترتكز منظومة علاقاته مع الدولة على نوع من المساواة الظاهرية على الاقل. هو يطلب دليلا على ان الشرطة تبقى شرطته حتى عندما تطلق النار عليه، والتركيز يتم على الشرطة تحديدا لانها هي و "الشاباك" يعتبران المؤسسات التي يتم من خلالها تشكيل شخصية او صورة العربي في المجتمع اليهودي، خصوصا عندما تأخذ صورته كرمز للفقر والاجحاف في التلاشي. "الفقراء موجودون في الوسط الحريري ايضاَ، يقولون لعربي عندما يشتكي من مستوى حياته المتدني ويضيفون قائلين بأن النقص والعيوب في الخدمات موجود ايضا في سدروت وديمونا ـ وهكذا تطمس "الميزة" التي كانت للعربي كأقلية محرومة.

الفرق هو ان اقدام سكان سدروت على اغلاق طرقات النقب سيجعلهم يحظون بمعاملة "حازمة، ولكن حساسة" ـ وليس بالرصاص المطاطي ولا المعدني بالتأكيد. اذا قتل مواطن من ديمونا برصاص شرطي فانها ستحظى بتقديمه للمحاكمة على الاقل في مراسم لا تهدف فقط الى ابداء الاستعداد للمعاقبة وانما لتمكين المواطن وتقويته في مواجهة السلطات التنفيذية التي يفترض فيها ان تخدمه لا ان تطلق النار عليه.

"نحن ندرك ان هذه الشرطة لليهود، حتى وان خدم العرب في صفوفها". قال لي جار من الفريديس في هذا الاسبوع. ماذا يعني بكلمة شرطة لليهود؟ "هذه شرطة لا توجد لنا فرصة نحن العرب بأن نحظى بالاحترام منها". احترام وليس عدالة او حماية او تطبيق للقانون. الاحترام ليس تعبيراً فلوكلوريا ولا يرتبط بتاتا بتقاليد مجتمع بعينه، وانما له علاقة بالبنية التحتية التي لا يمكن من دونها ان تقوم منظومة علاقات بين المواطنين وبين مؤسسات الدولة. وعندما لا تنجح الشرطة في اختبار الجمهور كله، وعندما يكون سيف "تقديم الشرطي للمحاكمة" موجود فقط بيد جزء من الجمهور. بينما يمكن لجزئه الاخر ان يكون "مقدماً للمحاكمة"، ينهار الاحترام المتبادل المفترض ان يكون قائما بين السلطة والمواطن.

غياب هذا الاحترام المتبادل هو الذي يسمح للدولة باستخدام لهجة ساخرة بحق الاقلية العربية، في ذلك يكمن غباء الجهاز الذي فشل في الادراك في ان عدم التقديم للمحاكمة، وخاصة عدم الشروع في التحقيق في الوقت الملائم، حتى وان لم يتمخض عن الادانة ـ يؤدي اليوم الى الخداع القضائي الذي شهدناه والذي يعني وجبة أخرى من الاستخفاف بالجمهور العربي، ذلك لانه وفق ما يمكن ملاحظته، فانه ليس هناك ظلما قد لحق بالعائلات الثكلى وحدها فقط، وانما اصاب جمهورا بأكمله. هذا الجمهور الذي سئم السماع عن مدى ولائه او عدم ولائه للدولة، والذي يطالب الان بأن تقوم الدولة بوضع معايير منطقية معقولة لولائه، الشروع في التحقيق والتقديم للمحاكمة ليس مطلبا مدحوضا في هذا السياق، حتى لو تم العثور على مذنب او اثنين.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)