بعد خمس سنوات من الانتفاضة، اعتاد الجيش الاسرائيلي الرد على تقارير من النوع الذي بُشرنا به يوم السبت الماضي، حيث قتلت قوة من لواء المظليين فتى فلسطينياً في الثالثة عشرة من عمره خلال نشاط روتيني في مخيم عسكر للاجئين قرب نابلس.

رد الجيش الاسرائيلي يفيد أن القوة عملت خلافاً لأوامر اطلاق النار، وأنه تم توقيف قائد القوة عن العمل. والوصف الذي وصل من الجيش الاسرائيلي لما حصل في المنطقة خلال الحادث يفيد أنه خلال النشاط أُلقيت حجارة وزجاجات حارقة على القوة، وهو أمر روتيني في الضفة.

المجتمع الإسرائيلي اعتاد الأخبار من هذا النوع، وكما في الفيلم الهوليوودي فإن السيناريو معروف مسبقاُ لنا جميعاً ـ سيتم تعريف الحادث على أنه خروج عن التعليمات وسيُنقل القائد من منصبه.
في الأسابيع الأخيرة نشرت حركة "يُحطمون الصمت" مجموعة من الشهادات الجديدة حول موضوع تعليمات إطلاق النار في المناطق الفلسطينية. وفي ما يلي شهادة أدلى بها جندي من لواء المظليين حول تعليمات وإجراءت اطلاق النار التي تلقاها خلال الانتفاضة: "طاقمي قتل أُناس أبرياء، أو على الأقل أبرياء تقريباً. بعضهم قُتل عن طريق الخطأ، لكن ماذا يعني الخطأ؟ إذهب وقل نحن آسفون، حصل خطأ، قتلنا زوجتك أو ابنتك أو ابنك أو جدتك أو لا أعرف من. وهناك من أعدم بناء على أوامر غير قانونية برأيي....".

لا يمكن أبداً معرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بخطأ كارثي أو بجريمة في الدولة التي تكون فيها تعليمات اطلاق النار سرية ولا تخضع لرقابة الجمهور. فخلال المواجهات في المناطق الفلسطينية يعرف كل جندي الواقع المعقد الذي يبدو فيه ولد كما لو أنه مسلح، إمرأة حبلى كما لو أنها مخربة.

إن واقع تواجد جنود الجيش الاسرائيلي في نشاط داخل الأراضي الفلسطينية يحول كل نشاط إلى عمل يحمل في طياته نتائج كارثية. خلال خدمتي في الجيش وجدت نفسي مرات عديدة في منطقة نابلس، وفي مخيم عسكر. ولسبب ما لم يجد الجيش الاسرائيلي أبداً أنه من المناسب تزويد أو تأهيل الوحدة التي خدمت فيها بوسائل تفريق المظاهرات.
كما في وحدتي، كذلك الأمر في وحدات عديدة أُخرى، داخل الجيش الاسرائيلي والتي لم تزود بوسائل مثل الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. ولم يجد الجيش الاسرائيلي انه من الصحيح، حتى بعد قيامنا نحن الجنود بالمطالبة بهذه الوسائل، تزويد جنوده بوسائل تسمح له برد غير قاتل في حالات مثل الحالة التي حصلت يوم السبت. هذا القرار كان ثمنه وقوع العديد من الضحايا خلال الانتفاضة.
مسألة تعليمات اطلاق النار تشكل نموذجاً اضافياً للواقع الأسود الذي يُفضل المجتمع الاسرائيلي عدم التطرق اليه، واقع فاسد، يحصل على بعد "بصقة" من بيوتنا جميعاً، ويحول اولادنا الى أُناس ملطخة أياديهم بدماء الأبرياء، لكنه لا يحظى بأي اهتمام من جانب الجمهور وقادته.

غياب الرد على المعلومات التي تُنشر عن مثل هذه الأحداث يجسد بصورة مخيفة حصانة المؤسسة الأمنية من اي انتقاد، والأسوأ من ذلك هو لامبالاة الجمهور ازاء الانعكاسات الأخلاقية لما يحصل باسم اسرائيل في الأراضي الفلسطينية.

عملية قتل هذا الفتى، ابن الثلاثة عشر ربيعاً، تنضم بدورها الى قائمة طويلة من آلاف القتلى من بينهم مئات الأولاد، الذين قُتلوا على يد قوات الجيش الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بينما نواصل نحن العيش في قوقعتنا اللطيفة واللامبالية، ونتذكر الجنود وضحاياهم في الحادثة التالية فقط.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)