أي حالة رعب تملكت "المحافل العسكرية" في اسرائيل التي علقت على عملية الاغتيال في قطاع غزة الاسبوع الماضي، والتي كان يفترض ان تؤدي الى تصفية الناشط في حركة فتح حسن المدهون، فاذا بها تؤدي ايضا عن طريق "الصدفة" الى تصفية الناشط في حركة حماس فوزي ابو القرع. هل سترد حماس؟ هل سينهار وقف النار؟ هل يتعين على سكان سديروت النزول الى الملاجئ؟ لكن الاجوبة كانت مبهمة بشكل خاص. وحتى انه قيل في احد الاجوبة انه "بحسب المعلومات الاستخبارية التي كانت في أيدينا، ما كان يفترض وجود عضو حماس في سيارة عضو فتح الذي كان هدفا للتصفية". هذا الجواب يريد القول انه لو علم الجيش الاسرائيلي بأن "الصالح" القرع موجود في السيارة مع حسن المدهون، لما تم اطلاق الصاروخ لتصفيته. ذلك ان ناشطي حماس الان، حتى اولئك الذي يوصفون علانية من قبل الحركة بأنهم مهندسو الصواريخ ومشاركون في عمليات باسرائيل، هم ايضا قنابل موقوتة سياسية، ليس للسياسة الفلسطينية فقط، بل بالنسبة لاسرائيل بشكل خاص.

فحماس تمسك الان بتوازن ردع مزدوج: عسكري وسياسي، وهو توازن لم تحلم حماس بتحقيقه حتى عندما وقعت على اتفاق وقف النار مع السلطة الفلسطينية، صحيح ان "ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي" يشعرون بالغضب من مصر بسبب علاقاتها الوثيقة مع حماس والجهاد، وهي علاقات اثمرت في نهاية المطاف وقفا للنار ـ لكن يتعين على هؤلاءالضباط وعلى حكومة اسرائيل توجيه الشكر الى حسني مبارك مقابل كل يوم هدوء يمر تواصل فيه حماس تبني وقف النار، وعليهم ايضا ان يتمنوا نجاح مصر في تمديد وقف النار. ذلك انه من دون وقف النار هذا كان انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة سيبدو مختلفا كليا. ويمكن التكهن بحجم المعضلة التي كان سيقع فيها الجيش الاسرائيلي وحكومة اسرائيل خلال ايام الانسحاب عندما كان يقف الاف المتظاهرين الاسرائيليين عند ابواب غزة، لو اطلقت حماس حينها عشرات الصواريخ او اطلقت النار مباشرة على الجموع، كيف كان سينظر الى الانسحاب لو كان مصحوباً بعشرات القتلى اليهود، الامر الذي كان يوجب مباشرة قتل عدة مئات من العرب. وأي انسحاب احادي الجانب كان سيحصل. بالطبع ليس الانسحاب الهادئ الذي عرفناه.

من دون البدء في مفاوضات، ومع التلكؤ المقصود في تنفيذ الاتفاقات التي انجزت قبل الانسحاب، تجد اسرائيل نفسها الان في وضع مستحيل: اتفاق نظري حول وقف النار مع من تعتبرها منظمة ارهابية تمسك بيدها حق الفيتو على كل منظومة العلاقات بين اسرائيل وبين السلطة الفلسطينية الشرعية. لانه كما في فترة الانتفاضة، عادت اسرائيل لتعلن ان السلطة ليست شريكا في افضل الحالات، وانها تسمح بالعمليات الارهابية في أسوأ الحالات.

هكذا تجمد الزخم الذي كان يفترض ان يحدثه الانسحاب من غزة: فهو علق عميقا داخل كثبان السياسة الاسرائيلية ومقابل رئيس اميركي يعتبر ان قدوم المسيح سيحصل قبل السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. في مثل هذا الوضع يكون الميل فعلا للتطلع إلى الحد الأدنى الممكن: ربما تفكيك آخر لموقع استيطاني غير قانوني، وعملية تصفية اخرى لمطلوب، وربما طرد بعض البلطجيين من سوق الخليل، واعتقال آخر لأحد المسؤولين الكبار. أي استبدال المفاوضات باحتلال محسّن قليلا. وعندما تسير الامور على هذه الحال، يمكن تقريباً التكهن ايضا بموعد اندلاع الانتفاضة الثالثة.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)