صحف نهاية الاسبوع كانت مليئة بالتنهدات، فاستطلاعات الرأي بخصوص اغتيال رابين والنظرة إلى اغتياله اثبتت بالأدلة الدامغة التي لا تقبل الشك ان الاغتيال نُسي تقريباً، وتقريبا صفح عنه، وأننا نسيناك أيها الرفيق. فميراث رابين مات معه، كما سيستنتج المعلقون. فلو كان رابين حيا لكان كل شيء سيبدو مختلفا، لكن سفينة الاحلام غرقت عميقا مع اغتيال القائد. فالروح الديموقراطية هزمت، وحمامة السلام تنزف دماً.

من الصعب شرح هذا الاندفاع النوستالجي لأنه بعد عشر سنوات على اغتيال رابين، تحول نهجه الي نهجنا بقدر لم نجرؤ علي التكهن به آنذاك. هل تذكرون ماذا حصل بعد الاغتيال؟ كثير من الحافلات انفجرت ما قادنا الى احضان نتنياهو. فهو التزم، بشكل رسمي على الاقل، باتفاقات اوسلو، وحتى انه وقع على اتفاق واي. هذا لا يعني انه يتآمر على تنفيذها، تماما كما فعل شريك رابين ـ اللاشريك ـ عرفات.

لكن الاسرائيليين سئموا نتنياهو سريعاً جدا، واختاروا باراك مكانه. لأن باراك لم يشأ التلكؤ، بل سعى للتوقيع على صفقة شملت "تنازلات مؤلمة" أكثر من تلك التي تعهد بها رابين، هل تذكرون؟

لكن عرفات افشل مشروع باراك، ومع استئناف العمليات، يئس غالبية الاسرائيليين من امكانية التوصل الى اتفاق. حصلت انتخابات، هل تذكرون؟ اقترح متسناع انسحابا احادي الجانب وجدارا للفصل، لكنه خسر امام شارون، الذي اقترح ان يريهم من هو، وبعد ان أراهم من هو، تبنى برنامج متسناع الانتخابي. انسحاب احادي الجانب من غزة، تفكيك مستوطنات، جدار فصل في الضفة الغربية. اليمين تبنى ميراث رابين.
هل تذكرون انه حتى بداية التسعينات كانت فكرة دولتين لشعبين مجرد فكرة جرى الكلام حولها في اطراف اليسار فقط؟ بعد 15 عاما، وعشر سنوات على اغتيال رئيس الحكومة الذي اقترح لأول مرة مثل هذه الخطة، ها هو الليكود، برئاسة كبير اسياد مشروع الاستيطان، شارون، وحتى المتمردين الذين يقفون على يمينه، يقبل بهذه الخطة. فالأغلبية الكبيرة في الجمهور الاسرائيلي، بما في ذلك نصف منتسبي الليكود تقريبا، يؤيدون خطة متسناع، الذي ورث باراك، الذي ورث رابين، يمكن بالضبط وصف هذا الامر على انه ضياع لميراث رابين؟
صحيح أن الديموقراطية الاسرائيلية ليست في وضع جيد، فانتشار الفساد، التحالف بين رأس المال والسلطة، أسلوب الانتخابات التمهيدية المفسد، الاحزاب التي تستمد صلاحيتها من الحاخامات وليس من الناخبين، كل هذه الأمور تهدد الديموقراطية. لكن عندما وصلنا الى اللحظة التي يتعين عليها فيها الاختيار بين الأبارتهيد اليهودي مع اراض فلسطينية، وبين دولة يهودية ديموقراطية من دون تلك الاراضي، اختار الاغلبية دولة ديموقراطية، الى درجة ان كل ما تبقى من ادعاءات اليمين ضد فك الارتباط كان الصراخ بأن الخطة مرت بوسائل غير ديموقراطية.

هذا غير صحيح طبعا. كان للخطة اغلبية في الكنيست. وهذا كاف، وكان لها اغلبية في الليكود ايضا، لكن يبدو اننا نسينا رابين. وحتى المستوطنين، الذين بنوا عالمهم السياسي على الخرق الفظ لحقوق الانسان، على الاحتلال، يصدرون أصواتاً باسم حقوق الانسان وقدسية الديموقراطية. صحيح ان هذه النغمة اكثر من مزيفة، لكنهم ادركوا، منذ الاغتيال، ان اي دعوة صريحة لتحدي الديموقراطية لن تنجح في اسرائيل 2005، هم ادركوا أن يغئال عمير لم يقض على ميراث رابين، بل العكس هو الصحيح. وأنه بعد ذلك، كل صلاحية اخلاقية غير ديموقراطية ان تعتبر كذلك في نظر الجمهور الاسرائيلي.

اذا، ربما ، مسموح ايضا ان نكون راضين للحظة، ربما في هذه اللحظة، حيث اعدنا سفينة الصهيونية الى حلمها الاصلي، حيز جغرافي يكون اليهود اغلبية فيه، ويستطيعون اقامة دولة تكون يهودية وديموقراطية، مسموح ايضا الفرح قليلا باسم رابين.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)