قبل ثلاث سنوات، في تشرين الثاني 2002، انتخب عميرام متسناع لرئاسة حزب العمل. أعد له اليسار حينها استقبالا مثيرا للانفعال، وثمة من قال انه كان استقبالا هيستيريا. الاجواء العامة مالت حينها نحو التغيير، ونشرت الصحف، يوما بعد يوم، تقارير حول قضايا فساد جديدة في الليكود. قالوا عنه، عن متسناع، انه الجنرال المدني الذي يحتاجه اليسار كثيرا، والذي من المحتمل ان يستطيع اشعال شعلته المنطفئة. وفي مراحل معينة من حملته الانتخابية، قبل لحظة من اسكات القاضي حشين رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي وفي بث حي، قفز حزب العمل قفزة كبيرة في استطلاعات الرأي.
نهاية القصة معروف. حزب العمل انهار: قاعدته النيابية انتقلت الى شينوي وربما الى الليكود. وبدأ كبار قادة حزب العمل بتصفية متسناع حتى خلال الحملة الانتخابية، وبعد الهزيمة كانت ايامه مضنية الى ان استقال. كان فشله صارخا بشكل خاص في ضوء حقيقة ان متسناع اعتبر رجلا نزيها، مؤهلاً، يحمل شعوراً رسالياً حقيقياً برهن عنه هذا الاسبوع عندما قرر التطوع لترميم يروحام.

انتخاب عمير بيرتس يعيد ذات الامواج القاتلة، لكن هذه المرة بقوة وتبرير اكبر، مع صياغات تناسب تشرين الثاني 2002، وحسناً يفعل بيرتس لو يتعلم من اخطاء متسناع. فمصير متسناع تحدد عمليا في الانتخابات السريعة التي فرضها عليه رئيس الحكومة شارون. فقد وصل متسناع الى تلك الانتخابات غير مستعد عمليا، وغير معروف.
من جهته، بيرتس شخصية معروفة اكثر، ومع ذلك يتعين عليه خلال فترة زمنية قصيرة، احاطة نفسه بهالة رسمية. هذا ليس بالامر السهل، فقد نجح شارون في هذه المهمة بعد ثلاثة عقود فقط. فالانكشاف الزائد للرئيس النضر امام وسائل الاعلام لن يكون بالتحديد الطريق الصحيح لتكوين صورة رئيس حكومة.

الميزة الأولى التي يتعين على بيرتس اعداد نفسه لها هي الصمت: يجب على الزعماء خلق ظمأ لدى الجمهور لسماع اقوالهم، لا ان يجروا مقابلات مع كل مذياع. فالزعماء يحافظون ايضا على مسافة ما، فلا يخدم بيرتس اعلانه بصوته انه ترك 22 بلاغا في مكتب رئيس الحكومة كي يتكرم شارون بعقد لقاء معه: فرئيس حزب العمل ومرشحه لرئاسة الحكومة يستطيع الاكتفاء ببلاغ واحد فقط.
ثمة مشاكل جوهرية ايضا كما متسناع، يبدو ان بيرتس لا يستنكف عن التوجه الى ناخبي اليسار. في الواقع، هو يتوجه الى الجميع: عرب، يمين، يسار. من الصعب فهم مغزى الجدوى التي سيجنيها حزب العمل من محو ميرتس، أو من انتقال ناخبين عرب. اذا كان بيرتس يريد التحالف معهم فليدعهم الى حكومته.

دور حزب العمل مختلف، فالعمل هو رأس الجسر للانتقال الاقتراعي من الليكود الى اليسار. لا يوجد جسر آخر، وهذه مهمة ثقيلة بما يكفي، فمستناع لم يمسك بقوة سياسية حقيقية في حزب العمل، فهو كان جنرالا من دون جنود.

في هذا الشأن، على الاقل، ثمة لبيرتس ميزة مدركة، فهو وصل الى رئاسة العمل محمولا على اكتاف ثلاثين الف منتسب ـ جندي. وان رغب، يستطيع هؤلاء الجنود التصويت ضد كبار حزب العمل في الانتخابات التمهيدية. هذه هي ميزة بيرتس الكبيرة، ميزة لم تكن لمتسناع وحتى انها غير موجودة لدى شارون: كبار حزب العمل يخافون منه فعلاً. فاذا عرف كيف يردعهم، من المحتمل عندها ان يعود حزب العمل ليؤدي عمله كجسم سياسي منسجم، وان لم يحصل هذا الامر بسبب التضامن، فقد يحصل بسبب الخوف.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)