هآرتس

الفترة الانتقالية التي دخلتها الحياة السياسية في إسرائيل والهزة التي تتعرض لها، تزيد بالضرورة الحساسية الأمنية. فالوضع الناشئ حيث الحكومة الحالية بقيت من دون الوزراء "الميزان"، والحزب الحاكم في طريق مسدود، يوجب حذراً مضاعفاً. فرئيس الحكومة ووزير الدفاع وجدا فجأة نفسيهما في حزبين متنافسين.

ثمة شك كبير في أنه كان يمكن، لولا اصرار وزيرة الخارجية الأميركية، كونداليسا رايس، الاسبوع الماضي والضغط على إسرائيل وعلى الفلسطينيين من أجل التوصل إلى اتفاق حول المعابر الحدودية بين قطاع غزة وبين مصر وإسرائيل، التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. فرايس مددت فترة وجودها في إسرائيل بعد أن أدركت أنه في حال لم يتم التوقيع على الاتفاق فوراً، فسيستقيل مبعوث الرباعية الدولية، جيمس ولفنسون، وسيدخل الموضوع برمته في أزمة صعبة. هذا يعني انه في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الإسرائيلية تؤدي مهامها بشكل منتظم. وفيما كان كل شيء يبدو بأنه على ما يرام، تمكن موظفو المستويات الوسطى من اسقاط قراراتها، بما فيها تلك المتعلقة بموضوع المعابر. ويمكن القول ان هذا الخطر تضاعف اليوم.

خلال المراحل الانتقالية للسياسة الداخلية، يضعف الاشراف الداخلي على الأجهزة الحكومية المختلفة، وتخف الرقابة الجارية من قبل رؤساء الأجهزة على المستويات الخاضعة لامرتهم. ويندرج ضمن هذه الفئة أيضا ـ اجهزة الامن مثل الجيش والشاباك. وفي مثل هذا الوضع تتزايد أهمية شخصين أساسيين: رئيس الأركان، دان حالوتس، ورئيس الشاباك يوبال ديسكين. ويمكن أن يضاف اليهما رئيس الموساد مئير داغان. وعلى الرغم من أن أساس نشاط الموساد يتم خارج حدود الدولة، إلا أن العلاقات والتنسيق بين الموساد وبين شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، والشاباك، هي في الحضيض.

فالميثاق المسمى "الماغنا كارتا" والذي يحدد توزيع المهام بين هذه الاجهزة الأمنية الثلاثة الكبيرة، تقوض تماماً. هذا الوضع أثار في الآونة الأخيرة قلق أرييل شارون الذي أمر الأجهزة الأمنية الثلاثة بالعودة على الأقل إلى الوضع السابق في كل ما يتعلق بالتنسيق فيما بينها، إلى حين صدور قرارات جديدة. بيد انه في أعقاب التغييرات السياسية وانهيار الحكومة، ثمة شك في حصول هذا الأمر، وهذه النقطة تحول الفترة الانتقالية إلى فترة أكثر خطورة.

إن أحد المفاصل الشديدة الحساسية في هذا السياق هو النشاط العسكري المبادر به الذي يخوضه الجيش والشاباك في هذه الفترة ضد المنظمات الفلسطينية. صحيح ان هذا النشاط يتركز على الجهاد الاسلامي، لكنه يمس ايضاً بناشطي حماس، وأحياناً بناشطين من كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح. فمن شأن النشاط العملاني الذي لا يخضع للرقابة الكافية في هذه الفترة أن يتسبب بتدهور شديد للأوضاع، يؤثر سلبا على الوضع السياسي والأمني في إسرائيل ولدى السلطة الفلسطينية.

إن فقدان السيطرة إضافة إلى التطرف في النشاط العملاني من شأنهما إعادة إشعال مواجهة عسكرية واسعة، مما سيحرف أيضاً السجال السياسي الداخلي في إسرائيل عن مساره الرئيسي، وستتأثر طريقة اتخاذ القرارات بالأحداث الأمنية فقط، وليس بالصورة العامة المرجوة. مثل هذه التطورات ستؤثر سلباً أيضاً على الوضع في السلطة الفلسطينية.

الخلاصة السياسية ـ الأمنية من هذه الحال هو انه يتعين على إسرائيل أن توقف خلال هذه الفترة عمليات الاحباط المركز (الاغتيالات). فهذه العمليات استؤنفت في أعقاب العملية الانتحارية في سوق الخضيره، والتي قتل نتيجتها ستة إسرائيليين وأصيب العشرات. منذ ذلك الحين اعتقل في الأراضي الفلسطينية مئات المشتبه بهم من جميع التنظيمات الفلسطينية. هذا لا يعني ان على إسرائيل وقف نشاطها الدفاعي. بل إنه في حال واصل الفلسطينيون عملياتهم، يجب البحث عن المسؤولين والمس بهم، على ان يتم التركيز الآن من حيث المبدأ على النشاط الدفاعي وتقليص العمليات المبادر بها ضد الارهاب إلى حدها الأدنى.

وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية والنظام المصري يدركان ان "الارهاب الفلسطيني" مخالف لاتفاق التهدئة الذي تحقق مع حماس، إلا انها يتوقعان ردوداً أكثر حساسية من إسرائيل.