السفير - جوزف سماحة - بنيامين نتنياهو. أرييل شارون. عمير بيرتس. لكل منهم سيرته وسياسته. الأول هو الابن البار لليمين الصهيوني الأقصى، والنتاج المبتذل للعصر التلفزيوني، والجامع بين التشدد <<القومي>> والليبرالية الاقتصادية الجامحة. الثاني هو المقاتل، الجندي، المتمرد، عديم الاهتمام بالأفكار والإيديولوجيات، ذو النزعة التوسعية الدائمة، المتحوّل، في خريف حياته، نحو إدخال قدر من <<الواقعية>> على الجموح الذي ميّزه دائماً. الثالث هو المغربي المولد، المتربي في مدن التطوير، المعاني من التعالي الأشكنازي، النقابي، الميّال إلى تصديق أن حزب <<العمل>> اليساري، المصر على موقعه <<الحمائمي>> ضمن المشهد الصهيوني.
التباينات بين الثلاثة وما يرمزون إليه واضحة، إلا أنهم، جميعاً، يشتركون في أمر مهم: إنهم يملكون تقديراً واضحاً لميزان القوى المتحكّم بالنزاع العربي الإسرائيلي. يلتقون في الحسم أن إسرائيل قوية الآن أكثر مما كانت في أي وقت مضى، وأن العرب في حالة ضعف لا سابق لها بما يسمح لهم بالاستفراد بالفلسطينيين. يرون أن الشرط الدولي مؤات بانتهاء الاستقطاب الثنائي، وأن الولايات المتحدة ليست في وارد الضغط الجدي على إسرائيل، وأن أوروبا السياسية غير قائمة. إلا أن كلاً من هؤلاء الثلاثة يخرج من هذا التقدير المشترك باستنتاج استراتيجي سيحاول طرحه على الناخبين الإسرائيليين.
نتنياهو، أو من سيقود <<ليكود>> ومعسكر اليمين الأقصى، يخلص مما تقدم إلى التأكيد بأن الظرف مؤات للاحتفاظ ب<<أرض إسرائيل>> كاملة ورفض أي انسحاب والتفكير بالعودة إلى قطاع غزة. يرى أنصار هذا التيار أن كل كيان فلسطيني مستقل هو قاعدة للإرهاب وعنصر جذب للمزيد منه. لذا فإن التسوية تقضي بالسماح للفلسطينيين المقيمين فوق أرض إسرائيل بإدارة بعض شؤونهم في تجمعاتهم المنعزلة عن بعضها وتحت السيادة الإسرائيلية على المعابر والأجواء ومصادر المياه والأسواق...

طالما عبّر نتنياهو عن تفاؤل بميزان القوى وتشاؤم في القدرة على أي تعايش سلمي مع العرب. وفي رأيه أن الحجة الديموغرافية غير قائمة لأن نسبة الولادة لدى العرب تتراجع، ولأن الإرادوية الصهيونية ستزيد نسبة الهجرة اليهودية إلى <<أرض الميعاد>>. والمضمر في ذلك هو أن الضغط سيستمر لتفريغ المناطق الفلسطينية من سكانها. الحديد حام، يقول نتنياهو، لذا فإن ضربه لا معنى له إلا الضم.

لا يختلف شارون عن نتنياهو لا في تفاؤله ولا في تشاؤمه. إلا أنه بات أكثر رغبة في وضع المشروع الصهيوني في إطار أوسع. فهو يرى أن الحاجة الإسرائيلية كبيرة إلى تسهيل الأمور في المنطقة أمام الولايات المتحدة الأميركية وسياستها الإقليمية. فبقدر ما تبسط واشنطن سيطرتها يزداد الأمان الإسرائيلي. إلى ذلك لا يعارض شارون التقاط لحظة التقارب الأميركي الأوروبي من أجل تطوير العلاقة مع الشريك التجاري الأول. إن <<أمركة>> السياسة الأوروبية مكسب مهم عبّر عن نفسه، مثلاً، في القمة الأوروبية المتوسطية التي اختتمت أعمالها قبل أيام.

إن <<خريطة الطريق>> هي، في عُرف شارون، الشعار الضامن لأفضل علاقة مع أميركا وأوروبا، كما لتحييد دول عربية مركزية لا تقل عنه اهتماماً بكسب رضا واشنطن. وميزة <<الخريطة>> أنها
واسطة دفع نحو اقتتال فلسطيني. وإذا لم يحصل الاقتتال يبقى المجال مفتوحاً أمام خطوات من طرف واحد. لذا يتوجب الاستمرار في بناء الجدار، وفي الاستيطان، وفي تثبيت الوجود الاحتلالي في المناطق الأمنية وفي أي مناطق يراها ضرورية له. إن همّ شارون هو الانفصال عن الكتلة الديموغرافية الفلسطينية فوق أقل بقعة أرض ممكنة.
و<<الخريطة>>، حسب شارون، وعلى عكس ما روّج له طوني بلير مثلاً في برشلونة، لا علاقة لها إطلاقاً بأي تسوية نهائية. إن وظيفتها إيصال المتنازعين إلى عتبة التفاوض حول قضايا الحل الدائم. ويراهن شارون أن في وسعه الوصول إلى هذه العتبة من أجل... تجنبها. إن ما يريده هو دولة فلسطينية مؤقتة، بحدود مؤقتة، وإبقاء الاحتلال في القدس والمستوطنات وغيرها، ومنع اللاجئين من العودة، والإمساك بالمعابر. الحديد حام، يقول شارون، لذا فإن ضربه لا معنى له إلا فرض التسوية المؤقتة المديدة.

شارون، حيث أصبح، تكرار لديفيد بن غوريون. أي تكرار لمحاولة الجمع بين أقصى المطامع الصهيونية وبين المتاح إقليمياً ودولياً، أي السعي الدائم إلى إدراج إسرائيل في المشروع الاستعماري الأكبر حيال المنطقة. إن هذا هو الدرس الذي خرج به <<الجنرال>> من مغامرته اللبنانية في 82. لقد بات يمثّل نهجاً يحاول أن يضم <<عقلاء>> <<ليكود>>، وعلمانيي <<شينوي>> اليمينيين، والجناح الأمني في حزب <<العمل>>. يضاف إليهم حشد من الانتهازيين الراغبين في ركوب قاطرة الحزب الذي يعتبرونه صاعداً، الحزب الذي يؤمّن المصالحة بين التوسعية الصهيونية وبين الغزوة الكولونيالية.

لن يجادل بيرتس كلاً من نتنياهو وشارون في تقدير موازين القوى. غير أنه يبني على ذلك سياسة داعية إلى اقتناص الفرصة من أجل تصفية النزاع نهائياً. يؤسس اقتراحه للتسوية على ما توصل إليه اليسار الصهيوني في خلال التسعينيات. ينهض تفكير بيرتس على أن الحل ليس ترجمة مباشرة لميزان القوى الجامد. لذا يتوجب النظر إلى الديناميات التي قد تجعل العرب، بعد ملامسة القعر، يعاودون الصعود، وقد تجعل الاندفاعة الأميركية أقل عتواً. ليست الفوضى خياراً أول عند بيرتس خاصة إذا كانت على الحدود. يمكن أن نضيف إلى ذلك حساسية اجتماعية تعلي من شأن قضايا مثل الفقر والبطالة والتمايز الإثني وتفضيل الإنفاق الاجتماعي على الإنفاق الاستيطاني. يقول بيرتس إن الحديد حام وإن لا معنى لضربه إلا الدخول في تسوية نهائية مع الفلسطينيين... تسوية تكتفي بما أنجزه المشروع الصهيوني وتحوّله، قدر الإمكان، إلى مشروع استعماري حديث.