السفير /جورج علم

تتأهّل الساحة، بسرعة قياسيّة، لتتحوّل ميداناً لمواجهة مكشوفة بين نوعيات من الضغوط الخارجية المحتدمة. وبكلام أدقّ هناك، في الوسط الدبلوماسي من يقول، بأن الساحة تكاد أن تتحوّل الى خط تماس بين الشروط والتوجّهات الاميركيّة الدولية، وبين الرفض السوري الإيراني لها، وبالتالي يصبح من البديهي جدّاً، أن يمضي الرئيس فؤاد السنيورة ثلاث ساعات في مكتب الامين العام ل<<حزب الله>> السيد حسن نصرالله، من دون أن يتمكّن من إعادة المياه الى مجاريها بين الفريق الحكومي الواحد.

يذهب هذا البعض إلى حدّ القول بأن القرار 1644، فتح كوة أمام <<احتمال تسوية>> بين أقطاب <<التحالف الرباعي>>، لإعادة شبك الايدي، وإطلاق الحوار، والتفاهم على أسلوب عمل لمواجهة الملفات الرئيسيّة، بمعنى أنه لم يعط الفريق الأكثري كل ما أراده من مجلس الأمن، كما أعاد الاعتبار ولو بصورة غير مباشرة إلى الموقف المبدئي للحزب والحركة من المحكمة ذات الطابع الدولي، ومن توسيع مهام لجنة التحقيق لتشمل جرائم مسلسل التفجيرات، وحلقاته المدمّرة، إلا ان النتائج كانت مخيّبة، والسبب أن الرئيس السنيورة حاول إصلاح ما أفسده التسرع في <<توضيب سلة المطالب>> الى مجلس الامن. كما حاول البحث في آلية عمل توافقية للمرحلة المقبلة، إلا أنه فوجئ بسلة من الشروط منها: ضرورة إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء بالتوافق، والتفاهم على المواضيع الهامة مسبقاً، وقبل إدراجها على جدول الأعمال. ثم التخلّي عن التصويت، ومنطق الأكثرية في مجلس الوزراء لمصلحة التوافق في القضايا الرئيسية. واعتبار القرار 1559 منفذاً في شقه اللبناني.

هذا النوع من الطرح لا يمكن أن يقبل به رئيس الحكومة، والفريق الأكثري، لأن إعداد جدول الاعمال، يتم دستوريّاً بالتوافق بين رئيسي الجمهورية، والحكومة. وإن اتخاذ القرارات يفترض أن يتمّ عن طريق الإجماع، وإلا عن طريق التصويت بأكثرية الثلثين، في حال عدم التوافق، وهذا ما ينصّ عليه الدستور. كما أن اعتبار القرار 1559 منفذاً في شقه اللبناني، أمر لا تقبل به الاطراف السياسية الاخرى في البلاد، ولا يمكن أن ينطلي على المجتمع الدولي، كما إنه ينقل لبنان من موقع احترام الشرعية الدولية، وقراراتها، الى موقع المواجهة مع مجلس الامن؟!

ويأتي الردّ من الفريق الوزاري الأقلوي، على قاعدة ان المسار الذي تنتهجه الحكومة، هو تسلّطي، من مظاهره إلغاء الآخر، او رفض الأخذ برأيه إذا كان معارضاً، او متبايناً مع رأي الاكثرية. ويأتي هذا الاسلوب مخالفاً للدستور الذي ينصّ على التوافق في القضايا المصيريّة، والرئيسيّة، وهذا ما تنقضه الحكومة من خلال تصرفاتها، وممارساتها، وهي التي عطلت الحوار، وأقفلت آذانها عن سماع الرأي الآخر، خصوصاً عندما اقترح وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ تأجيل البحث بموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي، فقط أربعاً وعشرين ساعة، للتفاهم على صيغة موحدة، وهذا النوع من <<التفرّد>>، أدّى الى ما أدّى اليه من نتائج عكسها القرار 1644، ومندرجاته.

ويحتدم الجدل، ويزداد التباين في وجهات النظر، لكن هذه المرة باتجاه الثوابت، والمسلمات الوطنية التي كفلها اتفاق الطائف، ودستوره. ذلك أن الحكومة تتذرّع بالدستور، وتبرر تصرفاتها بالقول على أنها تحظى بمظلة دستوريّة، فيما يردّ الفريق الأقلوي بالقول إنه هو الأحرص على الدستور، وعلى الطائف، الذي تختصر فلسفته بكلمة واحدة: <<التوافق؟!>>.

الأخطر وفق استنتاجات سفراء متابعين أن الطائف، ربما يكون في طريقه الى أن يصبح في خبر كان، وأن الساحة المحليّة تشهد أوسع حملة من الرياء السياسي، باسم الطائف، وتحت شعار الحرص على احترامه، وتطبيق نصوصه التي يفسرها كل طرف وفق نظرته، واجتهاده، واستناداً الى مصالحه، ومعاييرها الضيقة، وبالتالي فإن خطّ المواجهة بين الضغوط الإقليمية والدوليّة المحتدمة على الساحة <<يتقمّص>>، ويرتدي ثوبا محليّاً تقليديّاً من خلال الاشتباك السياسي المرشح أن يتفاقم يوما بعد يوم حول الطائف، وكيفية تفسير بنوده، واولوياته، ودائما تحت شعار ضرورة تطبيقه بشكل دقيق وشفاف، بعيداً عن الاستنسابية التى طبعت مسيرته طوال عهد الرعاية السوريّة. فهل الطوائف اللبنانيّة مع الطائف، أم أن كل طائفة تبحث عن طائفها الذي يراعي مصالحها أولاً، حتى ولو كان على حساب مصلحة الوطن، ووحدته، وسيادته، واستقلاله؟!

خدمة إسرائيل دوماً