الشرق الأوسط/ منى الطحاوي

سيكتشف المخرج الاميركي سبيلبرج يوم 23 ديسمبر كم هو خطير تدمير الأساطير، حينما يبدأ فيلمه الجديد «ميونخ» عروضه في بعض قاعات السينما بالولايات المتحدة.

وقصته مستلهمة من الأحداث التي أحاطت بمقتل 11 رياضيا إسرائيليا على يد إرهابيين فلسطينيين، خلال دورة الأولمبياد لعام 1972، ثم تشكيل الفريق السري للاغتيالات من قبل الحكومة الإسرائيلية لتعقب من قام بهذا العمل.

اخترت عن تعمد كلمة «إرهابي» لكي اثير انتباهكم، لأنني أعتبر قتل رياضيين عملا إرهابيا.

وأنا أختار هذه الكلمة لأنني قلقة من تكلس النقاش الدائر في العالم العربي حول فيلم «ميونخ» عند هذه الكلمة، فيفوت عليه فهم رسالة الفيلم نفسها. أنا متخوفة من أن يمنع العالم العربي فيلم «ميونخ»، باعتباره آخر مثل عن تصوير الغرب للعرب كإرهابيين.

وفي حالة منعه فإن ذلك سيكون آخر مثال عن عدم استعداد العالم العربي للمشاركة في الحوار الفكري الذي يدور الآن. فالفيلم لا يستند فقط إلى مفهوم مكافحة الإرهاب، بل هو يطرح تحديا أمام العالم العربي، كي ينتج أعماله الفنية التي هي الأخرى تطرح أسئلة مؤلمة ولها علاقة وثيقة بنفس موضوع هذا الفيلم.

هل العالم العربي بمستوى التحدي؟

تقول شهادات الذين شاهدوا بعض اللقطات من فيلم سبيلبرج، إنه لم يخصص سوى دقائق قليلة لعملية خطف الرهائن، ثم فشل عملية إنقاذهم وما أعقبه من قتل للرياضيين الإسرائيليين. وهو معني أكثر بمكافحة الإرهاب ومدى جدواها.

ينطبق سؤال سبيلبرج، سواء كان ذلك عن قصد أو عدم قصد من جانبه، على كل عمليات الانتقام التي صادقت عليها غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، لكن ذلك ينطبق على يسمى بـ«الحرب على الإرهاب»، التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك وواشنطن.

يكتب ديفيد كورن في مجلة «ذا نيشون»: «مع نجاح العميل وفريقه بقتل القادة الفلسطينيين، وجدوا أن أولئك المسؤولين تم تعويضهم بآخرين يؤيدون أكثر من سابقيهم الهجمات العنيفة على إسرائيل واليهود، وأن منظمة أيلول الأسود صعدت من حملاتها الإرهابية. فهل كان مقتلهم هو الذي حفز على الرد الفظيع الذي آل إلى مقتل المئات في أماكن أخرى؟»

وهم لا يقتلون الأشخاص المعنيين دائما. على الرغم من أن الفيلم لم يتحدث عن خطأ الموساد في قتل نادل مغربي بعد الاشتباه فيه بأنه فلسطيني قيادي هارب ويقيم في بلدة ليلهامر النرويجية.

وعلى الرغم من أن أقارب الضحايا الإسرائيليين رحبوا بالفيلم، فإن سبيلبرج واجه نقدا مشددا من أولئك الذين اشتكوا من أنه ساوى من الناحية الأخلاقية ما بين الإرهاب الفلسطيني وعمليات مكافحة الإرهاب الإسرائيلية.

وهاجمه البعض لابتكاره مشهدا يجمع عميلا للموساد مع فلسطيني يدافع فيه الأخير عن حق الفلسطينيين بدولة فلسطينية.

وبينما يجري التسليم بهذا جدلا في العالم العربي، عليكم أن تتأملوا المخاطر التي واجهها سبيلبرج في انتاج «ميونخ». وعلى الرغم من أنه قال انه يدعم رد فعل اسرائيل في ذلك الوقت، ابلغ «لوس انجليس تايمز»، بأن رد العدوان بالعدوان يخلق دائرة مفرغة من العنف بدون نهاية حقيقية في الأفق. وقد وصف القنصل الاسرائيلي في لوس انجليس سبيلبرج بالساذج. ولكن على الرغم من كل نجاحه وشهرته كان سبيلبرج مدفوعا بشيء ما نفتقر اليه الى حد كبير في العالم العربي ـ المخاطرة.

وابلغ الصحيفة، «لم أستطع العيش صامتا من اجل الحفاظ على شعبيتي. وأنا الآن في عمر اذا لم اخاطر فيه فانني سأفقد احترامي لنفسي. وهذه بالنسبة لي مخاطرة مهمة».

ومن بين أكبر المخاطر التي قام بها، تمثلت في جعل الكاتب المسرحي توني كوشنر يشارك في كتابة السيناريو. وكوشنر، اليهودي، مثير للجدل الى حد كبير في اوساط اليهود المناصرين للصهيونية، بسبب مواقفه السياسية اليسارية وادانته للاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة. وقد شارك في تحرير كتاب «الصراع مع صهيون: ردود أفعال تقدمية يهودية اميركية على النزاع الاسرائيلي الفلسطيني». وفي مساهمته في الكتاب يقول انه يرفض السير في الاتجاهات المتوقعة من يهودي اميركي، عندما يتعلق الأمر باسرائيل.

وفي سبيل الكشف عشت وعملت في اسرائيل، وأؤمن بحقها في الوجود وأؤمن بحق الفلسطينيين باقامة دولتهم الوطنية، وصورت رفض كوشنر التمسك بما هو متوقع من عربي ومسلم عندما يتعلق الأمر بفلسطين.

ولهذا اتساءل ثانية هل ان العالم العربي في مستوى التحدي الذي طرحه سبيلبرج وكوشنر؟ اين كتاب «الصراع مع فلسطين»، الذي يتحدى فيه كتاب عرب الحكمة التقليدية؟ أين «ميونخنا»، الذي يشرح جذور الارهاب الفلسطيني وكيف انه الحق الضرر بالقضية الفلسطينية؟

ان فيلم «الجنة الآن»، للمخرج الفلسطيني هاني ابو اسعد، الذي يصور صديقين جندا للقيام بتفجير انتحاري يعتبر بداية جيدة. ويقوم ابو اسعد بالنمط ذاته من المخاطرة، التي تحدث عنها سبيلبرج بتقديم اصوات ضد التفجيرات الانتحارية. ولكن يجب علينا ان نتحدى اساطير ماضينا اذا اردنا أن نتحرك الى ما هو أبعد من كوننا مواضيع سلبية لجدالات الآخرين. وقول ذلك اسهل من القيام به، اذا ما أخذنا بالحسبان عجز العرب عن الوقوف بوجه اساطير الحاضر.

وعندما انفجر صاروخ لحماس خلال عرض بعد انسحاب اسرائيل من غزة، اختار كثير من الصحفيين العرب، في مشهد التفجيرات، أن يكذبوا عيونهم ويصدقوا حماس من أن صاروخا اسرائيليا هو الذي قتل 19 فلسطينيا في مسرح الحدث.