الحياة / عبدالوهاب بدرخان

من الواضح أن الإدارة الأميركية لا تريد انتخابات فلسطينية، لأن إسرائيل لا تريد هذه الانتخابات، ليس لأن «حماس» قد تخرج منها منتصرة، وإنما لمجرد أن «حماس» تشارك فيها. الأميركيون والإسرائيليون يعتمدون على المنطق الغبي الذي اخترعوه وصنفوا به الدول والشعوب بين إرهابيين وغير إرهابيين أو نصف إرهابيين. والأوروبيون الذين يتمايزون بشيء من العقلانية وجدوا أنفسهم في وضع محرج، فبعدما أعلنوا أنهم سيقيمون اتصالات مع «حماس»، عادوا فاضطروا الى تكليف خافيير سولانا بترتيب الانعطاف نحو السلبية والتكيّف مع الموقف الأميركي - الإسرائيلي. بقي أن يعلن كوفي أنان بدوره معارضته لمشاركة «حماس» في الانتخابات، باعتبار أن الأمم المتحدة عضواً في «الهيئة الرباعية»، ولا مانع عند أنان من أن يفعل، فهو نذر نفسه للأجندة الإسرائيلية حتى انتهاء ولايته.

مع بروز «الاخوان المسلمين» في الانتخابات المصرية، وفوز الائتلاف الشيعي في العراق، وإمكان صعود «حماس» في الانتخابات الفلسطينية، واحتمال سيطرة الإسلاميين في سورية إذا انهار النظام، تعود الى الذاكرة مقولة الحاجة الى شعوب أخرى لا الى أنظمة وحكومات مختلفة. وبالتالي فإن الخيارات الأميركية (والإسرائيلية) محكومة بأن تراوح بين خلاصتين: إما الاقتناع بأن الأنظمة والحكومات الحالية هي أفضل الممكن، وإما الاقتناع بأن هذه الشعوب «غير مؤهلة» بعد للديموقراطية. وكلا الخلاصتين مريح ومؤاتٍ للمصالح الأميركية والإسرائيلية. ماذا عن التغيير، إذاً؟ ولماذا هذا الهتاف الأميركي لـ «الانتصار» في العراق طالما أنه يكرس النفوذ الإيراني؟ وأخيراً ما مصير «خريطة الطريق» ومساعدة السلطة الفلسطينية وتأهيلها إذا كانت الانتخابات ستؤسس لاقصاء هذه أو تلك من فئات المجتمع الفلسطيني؟

لا شك أن أزمة حركة «فتح» وانقساماتها زادت الطين بلة، لأنها سلطت الضوء على احتمال فوز «حماس» في الانتخابات وإن لم يكن لهذه الحركة دور في تأزيم الوضع الفتحاوي. لم يكن للكونغرس الأميركي أن يتدخل في تنظيم الانتخابات، ولا لإسرائيل، ولا للأوروبيين، وكان الأولَى أن تعتبر السلطة أن الظروف غير مهيأة لاجراء الانتخابات، وأن تعمد بالتالي الى تأجيلها بغض النظر عن مشاركة «حماس» أو عدمها. لكن السلطة استهانت بالأزمة داخل «فتح»، وأجلت معالجتها آملة بأن الانتخابات ستحل بعض الاشكالات، ولعلها برهنت بذلك أنها لم تكن معترفة بحقائق الأزمة وحجمها. بل انها زادتها تفاقماً عندما اعتمدت نهج الانتخابات الأولية ثم وجدت أنها لا تستطيع الأخذ بنتائج هذه الانتخابات التي سقط فيها «الأقطاب» أو معظم رموز «الحرس القديم». ثم أمعنت في الخطأ لدى تشكيل القوائم، وبالتالي أججت الانقسامات.

وهكذا... فيما تصاعد الحديث عن إمكان عدم تجديد فترة «التهدئة»، أو «الهدنة»، التي لم تكن هادئة على الاطلاق، لأن إسرائيل لم تعترف بها، بل واصلت الاغتيالات بوتيرة شبه يومية، ولم تفِ بالتزاماتها حيال السلطة، ولم توقف سرقة الأراضي وإهانات الحواجز واتلاف الزرع وبناء الجدار، بل انتقلت بعد الانسحاب من قطاع غزة الى تدمير منهجي يعتمد على قصف صاروخي ومدفعي وجوي، معتبرة أن المواجهة أصبحت بين «دولتين».

فيما يجري العمل لتجاوز الانقسام الحاد بين قدامى «فتح» وشبانها، يحاول الفلسطينيون الابقاء على الانتخابات في موعدها، لأن مخاطر التأجيل كثيرة وتنذر بالأسوأ، خصوصاً إذا كان هدف التأجيل اقصاء «حماس». لكن الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين ينشطون على أكثر من صعيد للضغط على السلطة وعلى الانتخابات، غير عابئين بعواقب هذا الضغط. وبعد خيبة الأمل التي انتهى إليها لقاء لندن الأخير الذي رفض تقديم أي مساعدة للسلطة، ها هي إسرائيل تستعد لإشعال الوضع بغية التخلص من السلطة أو فرض سلطة بديلة منها. وعندما يقول المجرم شاؤول موفاز لعصابته: استعدوا لموجة عنف، فهو يعني بالتأكيد أنه قرر استفزاز الفصائل الفلسطينية، خصوصاً أنه اعتمد دائماً هذا النهج ووجده مجدياً. فأفضل طريقة عنده لنسف الانتخابات هي استدراج العنف.