النهار/غسان تويني

مرة أخرى – ثانية أو ثالثة، ما همّ... - يتهيأ "الآخرون"، كل الآخرين، للإنقضاض على أرضنا اللبنانية، أي على وطننا جميعنا، بل على أجسادنا لخوض حروبهم... وبعضنا بها مرحون وكأنه لم يتعلم من التاريخ – تاريخ الدماء والدمار – شيئاً...

فليخرس موزعو لوائح الإغتيالات وبرامج التفجيرات. الحرب المقبلة هي غير ذلك. هي "حرب آخرين" كلّية اخرى!

أيّ "آخرين" نعني؟

كلهم من دون استثناء، العدو والاشقاء والضيوف والحلفاء...

ولنسمِّ:

- اسرائيل التي تبحث في حرب لبنانية مستسهلة عن "ظاهرة شارونية" بديلة تلملم بها فتات وحدتها وجيشها لتنقض على الفلسطينيين، في فلسطين طبعاً... فاذا بفلسطينيي لبنان يهرولون الى الفخ، مهلّلين مكبّرين، يحرّكهم حنين بائد الى جهاد في غير أرضه، ولا انتصارات ممكنة!

- العراق، في نزعة ميكانيكية الى اختبار حربه "المذهبية" وآفاقها، الممكنة منها والمستحيلة، بدل الإنكفاء لتضميد جروحه الداخلية وترميم ما يمكن ترميمه من وحدته المهدورة...

- ايران، التي تتمنى ان يتيسّر لها في أرضنا النائية عنها مسرح لحرب اختبارية، تبدأ باردة، حول قدرتها على توسّل تطويرها النووي لبسط أحلامها الفارسية المقيمة.

- تركيا، التي بدأت تهزها احتمالات قيام كيان كردي متماسك ينخر هيكليتها العثمانية الماضية، وفي متناوله مخزون بترولي ستراتيجي قابل لأن يحيي التحركات الكردية "الأقلوية" خارج حدوده تمهيداً لتوسيع سيادته على المتحدات "النائمة" هنا وهناك وهنالك...

- سوريا، الطامحة بالغريزة "الإيْرّيدنتيّة" المستمرة الى تصدير أزمة نظامها الى البعد اللبناني السائب، عبر الحدود المسيّبة والفلول المزروعة وغير المقتلعة (بعد؟) والمبرمجة سياستها على الاستمرار في التحريض على عودة لبنانييها الى ممارسة العنف، فضلاً عن النهش والسلب والغطرسة والبطش... وهم بالاسلحة الموزعة عليهم فرحون كالاطفال بألعابها، وعن النتائج الانتحارية الحتمية غافلون...

- الفلسطينيون الجاهزون أبداً لخوض الثورة في غير زمانها وأرضها الطبيعية، على أمل تسجيل انتصارات "بالنقاط" بعضهم على البعض بديل خوض معركة انتخابية سلمية لتقرير مصيرهم وتكريس دولتهم في فلسطين، لا في "صبرا وشاتيلا" اخرى ولا في "نهر البارد" أو كهوف باقي المخيمات التي استوطنتها "المافيات" المعلومة، والثورة منها براء!

- الدول الكبرى، والاصغر قليلاً، التي لا يزال اللبنانيون يظنون، في سذاجتهم المفرطة، ان "لعبة الأمم" التي تمارسها اقليمياً عندنا انما هي بمثابة مسابقة بين جمعيات خيرية للعطف على هؤلاء وحماية اولئك حتى من النزوات والنزعات الطبيعية الى الانقسام والتقاسم والتقسيم!!!

في انتظار تلك الحروب، ماذا عن اللبنانيين؟

نحيّي "امراء الحروب" السابقة الذين فجأة افاقوا الى خطر الانزلاق، فمضوا، جنبلاط من هنا والجنرال عون من هناك وسواهما، يحذرون بعضهم البعض من "الخطر على السلم الأهلي"... بينما الخطر الحقيقي هو اعظم واشد دهاء: هو خطر زوال الوطن اللبناني، هذه المرة نهائياً بتناثره اشلاء اجساد منتَحَرَة و"مستشهَدَة" ولا من يبقى بعد ذلك لإحصاء الضحايا ولملمة الحجارة لإعادة إعمارٍ يكون وهمياً.

لكن ذلك لا يكفي.

المطلوب من كل مواطن ان يكون خفيراً لهذا "السلم الأهلي".

ان يرفض كل مواطن السلاح الذي يوزَّع عليه، ولو قيل له انه لحمايته وضمان سلامة بيته وأهله.

فالسلاح يستدرج سلاحاً مقابلاً، من أين أتى... والآتي مجاناً أدهى خطراً من الذي يشتريه واحدنا بما تبقى له من عرق جبينه، لأنه سيكون ثمناً لدمائه قبل ان يُسيل دم أشقائه في الوطنية... ولو صُوِّر له انه لمقاومةٍ وهمية ما، وللدفاع عن حدود وطن صارت في غير مكانها.

المطلوب حركة تمرد عظمى على الحرب، كل حرب، أياً كان الذي يشعلها وكيفما كانت الصورة التي تزيَّن بها... فمن الرصاصة الأولى ستشتعل بقية الرصاصات، وكلها قتّالة مجرمة، وكلها مشبوهة... وكذلك القنابل وشحنات الديناميت والصواعق، سواء جاءتنا براً او بحراً أو هبطت علينا من سماء مجهولة الآلهة.

وليعلم الذي يطلق الرصاصة الاولى انه يكون هو الذي "استطلق" الرصاصة الاخيرة في حرب قد لا يبقى منها "مخبِّر" عن مجرياتها والبطولات والمآثر والشهادات...

فحذارِ... ولن يدين التاريخ أحداً ولن يبرئ أحداً، لأنه لن يبقى منا ولنا تاريخ يقرأه جيل يظل حياً وعاقلاً.