نداف هعتساني/معاريف

في كاديما وفي معظم وسائل الاعلام تبنى في هذه الأيام الحملة الانتخابية البديلة لحزب شارون. ففي ظل غياب أرييل شارون نفسه يتم نسج البديل ـ "إرث شارون". وبالطبع، فإن الإرث الجديد يحتل كل الشاشات وعناوين الصحف في محاولة واضحة للمحو من وعينا الاسطوانة القديمة وزرع واحدة جديدة مكانها. وثمة نهج مدهش يعتمد من قبل صحفيين وسياسيين يعمل على تكوين هالة قداسة حول شارون من قبيل تصويره بأنه "أب الأمة"، الزعيم المنزه عن كل سوء وفوق الشبهات والذي يتمنى الجميع عودته ليقود الحكم.

لكن في محيط الأب الأسطوري، وفي ورشة فناني المناورات، ترتدي الحملة طابعاً أكثر فظاظة. فقبل أسبوع تحديداً جرى الحديث عن تثبيت "إرث شارون في واجهة منظومة المقاعد، وهذا الأسبوع جرى الحديث عن نية وضع الزعيم الحاضر ـ لغائب في المكان الأول على اللائحة. يتم ذلك تماماً وفق صيغة القصية القائمة بين قائمة شاس للكنيست وبين الحاخام كدوري. هكذا، أمام أعيننا، يبني رواد وسائل الاعلام ومقربو شارون النصب التذكاري المقدس لـ "إرث شارون"، نصب تذكاري واضح الهدف ـ فسح المجال امام سيطرة إرث شمعون بيروس تحديداً.

لا يحتاج المرء الى مخيلة واسعة جداً كي تذكره المحاولة الجديدة باختراع "إرث رابين" بعد موته مباشرة. آنذاك، كما اليوم، تم وبسرعة كبيرة إعداد علاج ذكي لضرورات الفوز في صناديق الاقتراع. وآنذاك، كما اليوم، رفع الزعيم الى درجة عالية جداً من أجل تحقيق أهداف أرضية ومنوعة، مع أنه كان يمكن حينها إدراك حجم الصدمة وحتى التقديس المبالغ به. وفي نهاية الأمر، كان من المناسب أن نكوي أنفسنا بالصدمة من أجل منع استخدام آخر للقتل كوسيلة للحسم السياسي. لكن هذا التبرير غير موجود اليوم، دون أن يعني ذلك الاستخفاف بألم أفراد عائلة أرييل شارون ومحبيه وأصدقائه. فالمرض والموت صعبان دائماً، ومع ذلك، ثمة مسافة كبيرة بين الدراما التي تبنى أمام أعيننا وبين الحدث الطبي الشائع وسط الشريحة التي هي من جيل رئيس الحكومة.

هالة القداسة التي أحيط بها شارون تثير الحفيظة أكثر عندما نقوم بفحص عناصر "الإرث" الذي يحاولون تسويقه لنا الآن. لا خلاف حول أن أرييل شارون قد حقق انجازات كبيرة وقام بأمور كثيرة طوال أيام حياته. فهو كان قائداً موهوباً وترك بصمات كبيرة في محال الاستيطان الذي تمكن من تدمير قسم منه. لكن هذا ليس إرثاً. والإرث الذي خلفه وراءه شارون مؤسف وإشكالي، لا سيما عندما يوضع في صدارته نوع قديم ـ جديد من الزعيم والشخصية العامة، على غرار أرييل شارون. وهو نوع من المناسب عرضه بكامل هالته.

العنصر الأول في الإرث الجديد هو عدم الوفاء بالتعهدات والالتزامات كنهج حياة وكمعيار. فصورة الزعيم تستند الى خرق التعهدات العامة الأشد خطورة في تاريخ دولة إسرائيل. وهي تعيد الى الذاكرة تحديداً الصورة التي رسمها ميكافيللي قبل مئات السنين. وثمة لهذا المعيار الجديد تأثير منذ الآن على المجرمين وعلى الذين لا يلتزمون بالعقود في البلاد الذين باتوا يستندون الى ما يتعلمونه من المعيار السياسي الذي وطد دعائمه شارون.

العنصر الثاني في الإرث هو الشكوك الكبيرة حول عدم نظافة الكفين، مع محاولة إخفاء حقائق أساسية عن الجمهور. وفي هذا المجال من الصعب نسيان أنه عشية إدخال شارون الى المستشفى زعمت الشرطة في وثيقة رسمية أن ثمة أدلة الى أن رئيس الحكومة تلقى رشوة بالملايين. وعلى الرغم من المأساة الشخصية، لم تتبدل هذه الشبهات الخطيرة في الأيام العشرة الأخيرة. كما أنه لم يتغير شيء على صعيد خطورة إدانة نجله عمري بارتكابه أعمالاً جرمية خطيرة لصالح الحملة الانتخابية لوالده.

لم يتغير شيء أيضاً على صعيد نمط التزام الصمت الذي اعتمده شارون في ضوء الشبهات الثقيلة ضده. منذ سنوات تحوم حوله مزاعم خطيرة دون أن يقوم بتقديم الايضاحات. وينضم هذا الصمت الى محاولة لف الحملة الانتخابية لحزب كاديما بالغموض. وليس هناك أدنى شك في أن أحد العناصر الهامة في إرث شارون هو محاولة الانتخاب ليشغل منصبه من دون أن يعرض أبداً وجهة نظر وتصوراً واضحاً وذلك كي يتمكن "الزعيم" من القيام بكل ما يخطر على باله في المستقبل.

عنصر التعتيم والانكار يبرز أكثر عنصر "خيانة الثقة" المسيطر بدوره في "إرث شارون". وعلى سبيل المثال نشير فقط الى "خيانة الثقة" إزاء ناخبي الليكود، برنامجه ودستوره، والالتزام تجاه المشاركين في استفتاء المنتسبين. ولا يمكن بالطبع تجاهل الشعور بالخيانة لدى أنصار ومحبي وشارون من بين المستوطنين الذين عبدوا طريقه نحو القيادة طوال سنوات ثم تركوا لمصيرهم الموجع.

العنصر الأخير في إرث شارون الفاخر هو طغيانه وعمى البصيرة. فمنتقدو شارون من اليسار وصفوه ذات مرة أنه "لا يتوقف عند الخط الأحمر". والذين اقتلعوا من غوش قطيف وشمال الضفة من الذين يشعرون اليوم بهذا الإرث، يستخدمون تعبيراً أقسى.

يجدر بمراوغي كاديما أن يعرضوا هذا البرنامج الحقيقي وهم في طريقهم الى صناديق الاقتراع، وعندها فقط ربما نخرج جميعنا من العارض الدماغي الذي يبدو أنه أصاب قسماً كبيراً من الجمهور الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.