باسكال بونيفاس/الاتحاد

ستحول الأزمة الصحية التي تعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون قطعاً دون تزعمه قائمة حزب ’’كاديما’’ خلال الانتخابات المرتقب إجراؤها في الثامن والعشرين من مارس المقبل في إسرائيل، وهي القائمة التي حصلت في معظم استطلاعات الرأي على نتائج تضمن لها فوزاً كاسحاً في هذه الانتخابات• وحتى إذا ظل أرييل شارون على قيد الحياة، فمن المؤكد أن حالته الصحية هذه لن تسمح له بخوض الحملة الانتخابية• وقبل أن يتوارى رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الساحة السياسية قام بعملين في غاية الأهمية، أولهما الانسحاب من قطاع غزة، والذي ساهم كثيراً في تلميع صورته على الصعيد الدولي، وثانيهما تأسيسه لحزب ’’كاديما’’، والذي كان سيترتب عليه إضعاف حزبه السابق ’’الليكود’’• وهكذا فقد كان يُنتظر أن تشهد الساحة السياسية في إسرائيل أجواء ساخنة• وبالرغم من أن النتائج بدت محسومة سلفاً، فإن أجواء عدم اليقين كانت هي السائدة•

وثمة تساؤلات تطرح نفسها على الساحة السياسية الإسرائيلية منها: ماذا عسى حزب ’’كاديما’’ أن يفعل في غياب مؤسسه آرييل شارون؟ لقد استفاد الحزب، الذي أنشئ أواخر شهر نوفمبر المنصرم، من شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي داخل الدولة العبرية بالرغم من كونه حزباً يفتقر إلى جذور تاريخية وبرنامج سياسي• وفي حال فوز هذا الحزب في الانتخابات القادمة، حتى وإنْ غاب شارون عن الساحة السياسية، فإنه سيواصل سيره على الطريق الذي رسمه له مؤسسه، ما يعني تقديم تنازلات للفلسطينيين وفق ميزان القوى الدولي، ولكن من دون مفاوضات• وفي هذا السياق، فمن غير المستبعد أن يتم انسحاب جزئي أحادي الجانب من الضفة الغربية، وتفكيك بعض المستوطنات المبنية وراء الجدار الفاصل• وبالمقابل يتوقع أن يستمر الاستيطان في الجزء الآخر من الضفة الغربية على غرار الجدار، كما يتوقع أن تظل القدس كلها تحت النفوذ الإسرائيلي• وبالتالي فلن يكون السلام شاملاً، وذلك خلافاً لما تنص عليه ’’خريطة الطريق’’• والأرجح أن تعود أعمال العنف من جديد نتيجة انتكاسة الآمال وعودة أجواء الإحباط من جديد على الساحة الفلسطينية•

أما الحزبان الرئيسيان الآخران اللذان سيتنافسان في الانتخابات الإسرائيلية القادمة فهما حزب ’’العمل’’ بزعامة عمير بيريتس وحزب ’’الليكود’’ بزعامة نتانياهو• وفي حال فوز هذا الأخير فلن تكون ثمة ’’تنازلات’’ جديدة تمنح للفلسطينيين، وإنما قد تحل محلها سياسة القوة التي من المحتمل أن تنجم عنها أعمال العنف• أما في حال فوز زعيم حزب ’’العمل’’ عمير بيريتس في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فإنه سيذهب إلى أبعد مما كان يريده شارون، حيث يتوقع أن يقبل في أعقاب المفاوضات مع الفلسطينيين بإنشاء دولة فلسطينية على كامل الضفة الغربية مع القدس عاصمة للدولة الجديدة، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات التي يتم التوافق عليها، وهو ما يعني سلاماً حقيقياً• وعليه فإن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة تعد رهاناً استراتيجياً كبيراً•

بيد أن النظام الانتخابي الإسرائيلي، الذي يقوم على أساس نظام القائمة النسبية، قد يفضي إلى نتيجة لا تمنح فوزاً واضحا لأحد، مما يعني أن ثمة حظوظا ضعيفة- ولكن قائمة وموجودة- لرؤية السلام يتحقق في حال فوز حزب ’’العمل’’• ولكن هذه الفرضية للأسف ليست الأوفر حظا للحدوث، ذلك أن معظم الإسرائيليين اليوم مقتنعون بفكرة الانفصال عن الفلسطينيين، ولكن بشروطهم ومن دون الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني• أما في حال عمت الفوضى الأراضي الفلسطينية، أو في حال فازت حركة المقاومة الإسلامية ’’حماس’’ في انتخابات الخامس والعشرين من يناير، فمما لا شك فيه أن نتانياهو- الزعيم الحالي لحزب ’’الليكود’’- سيكون المستفيد الأكبر وستتقوى حظوظه للفوز في الانتخابات• ولكن في حال فوز حركة ’’فتح’’ التي يترأسها محمود عباس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وإذا لم تشهد الأوضاع الأمنية تدهوراً كبيراً، فإن حظوظ بيريتس ستتعزز وتتقوى• وعليه فإن مستقبل الانتخابات الإسرائيلية يتوقف بشكل كبير على الأوضاع السياسية الفلسطينية•

ويبقى التساؤل قائماً حول إرث شارون، فقد كان الرجل وراء حرب لبنان، و’’الزيارة- الاستفزاز’’ إلى باحة الحرم القدسي التي فجرت الانتفاضة الثانية، وإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية• ولكنه كان في الوقت نفسه رجل الانسحاب من قطاع غزة، إذ لم يسبق لرئيس وزراء إسرائيلي قبله أن أقدم على تفكيك المستوطنات في الأراضي الفلسطينية•

ولكن هل ذلك كاف لوصفه برجل السلام، وهو الوصف الذي كان الرئيس الأميركي جورج بوش أول من أطلقه عليه، والذي من دون شك ليس أفضل تقييم لمثل هذه المسائل؟ وما هو صحيح من وجهة نظر الإسرائيليين ليس كذلك من وجهة نظر الفلسطينيين• وبالتالي فالأمر هنا أيضا يتعلق بالأحادية الجانبية، ولكن هذه المرة بخصوص التعريفات• وفي جميع الأحوال، فقد كان شارون رجل ’’حركة نحو السلام’’، ولكن دون مفاوضات سواء مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أو مع الرئيس محمود عباس•

ولن يكون بوسعنا أبدا معرفة إلى أي حد كان سيذهب أرييل شارون لو أنه فاز في انتخابات مارس المقبل• المرجح أنه كان سيذهب بعيداً، ولكن الأرجح أنه لم يكن ليذهب إلى حد التطبيق الكامل لـ’’خريطة الطريق’’ التي كانت تحدد نهاية 2005 موعداً لإنشاء دولة فلسطينية، تقوم عموماً على حدود •1967