ـ واضح أن هناك صدمة من الفوز الكبير الذي حققته حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية والمتمثل في حصولهاعلى ما نسبته «60 ـ 66%» من عدد مقاعد البرلمان سواء على مستوى حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تمسك بمفاصل السلطة الفلسطينية أو على المستوى الإسرائيلي شعبا وحكومة أو على المستوى الدولي «الولايات المتحدة ودول القارات الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشكل خاص»، وليس على مستوى الشعب الفلسطيني الذي قال كلمته واختار من يريد منحازا إلى خيار المقاومة والتغيير والإصلاح أو على مستوى العملية الديمقراطية التي كانت شفافة ونزيهة إلى حد كبير فعبرت عن اختيار المنتخبين، أو على مستوى حركة المقاومة الفلسطينية التي جنت ثمار جهد متواصل من المزج بين العمل الاجتماعي والخدمي لصالح الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه المشروعة في مواجهة المحتل الصهيوني، مقدمة قرابين من تضحيات المنتمين إلى فكرها والمنخرطين في صفوفها حتى وإن جاء فوزها فوق ماتتوقع.

ـ وقبل الخوض في أسباب هذه الصدمة ومعرفة المسؤول عن النجاح الكبير الذي حققته «حماس» في المعركة الانتخابية الحالية لا بد من الإشارة إلى الشفافية والنزاهة التي رافقت سير العملية الانتخابية والسماح لجميع الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية بخوض غمار التنافس على قدم المساواة وعدم استثناء أحد بما في ذلك حركات المقاومة وفي مقدمتها «حماس» رغم الضغوط التي مورست لاستبعادها لاسيما من قبل واشنطن وتل أبيب، ويعزى الفضل الكبير في ذلك إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كما لابد من التنويه بالحس الديمقراطي المتميز الذي برهنت عليه حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بنتائج الانتخابات رغم هزيمتها القاسية فيها وقامت حكومتها برئاسة أحمد قريع بتقديم استقالتها فورا مفسحة المجال لحماس من أجل تشكيل حكومة جديدة، ومثل هذا النموذج نفتقده تماما في عالمنا العربي لأن الأنظمة الحاكمة لم تبرهن حتى الآن على القبول بمبدأ التداول السلمي للسلطة والانتقال من مربع السلطة إلى مربع المعارضة.

ـ لقد كانت التوقعات حتى بدء الانتخابات تؤكد على صعود واضح لنجم حماس وتمكنها من الحصول على حصة كبيرة في المقاعد لكن هذه التوقعات لم تصل إلى حد التكهن ببلوغها نسبة «الأغلبية» التي تسمح لها بتشكيل الحكومة منفردة أو ربما تغيير الدستور «نسبة الثلثين» في المجلس التشريعي وفي أحسن الأحوال كان الحديث عن نسب متقاربة بين فتح وحماس وهو ما يفسر تصريحات قادة «حماس» قبل أيام الاقتراع عن قبولهم بمبدأ الشراكة الوطنية سواء على مستوى العمل الحكومي أوالتوافق على برامج سياسية مشتركة مع فتح المنافسة الرئيسة لها أو مع الفصائل الأخرى للمرحلة التي تلي الانتخابات.

ـ واضح أن أسباب الصدمة متعددة ومتنوعة بحسب الأطراف المصدومة، والمصدومون هم المسؤولون عمليا عن المآل الذي دفع بحماس إلى المرتبة الأولى وعليهم قبل التعبير عن حدة الصدمة الاعتراف بمسؤولياتهم عما جرى، فعلى المستوى الفلسطيني لا بد أن تجري حركة فتح كبرى الفصائل الفلسطينية مراجعة شاملة لأوضاعها التنظيمية وأدائها السياسي، بما في انخراطها في اتفاقات أوسلو وما آلت إليه عملية السلام مع «إسرائيل» منذ الشروع فيها في التسعينيات من القرن الماضي وإفساح الفرص الحقيقية للمزاوجة بين خيارات المقاومة والتفاوض بدلا الاستسلام التام للخيار الأخير، والانتقال من طهرالعمل النضالي الثوري إلى فتنة السلطة وما شابها من فساد مالي وإداري في الأجهزة الأمنية والحكومية بات يزكم الأنوف، والاستئثار بالقرار الفلسطيني دون إفساح المجال الحقيقي للمشاركة السياسية لا سيما للفصائل التي تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة في الشارع الفلسطيني، أما على المستوى الإسرائيلي فإن تل ابيب تدفع اليوم ضريبة التحلل من التزاماتها تجاه ما عرف باتفاقات السلام والالتفاف عليها وإحراج شركائها «فتح والسلطة»، فبعد أن صفّت الزعيم ياسر عرفات سياسيا ثم جسديا، فعلت قريبا من ذلك مع خلفه «ابومازن»، لقد نجح الرئيس محمود عباس بتوقيع هدنة طويلة الأجل مع «إسرائيل» مقنعا الفصائل المقاومة بالالتزام بها بمساعدة عربية، لكن «إسرائيل» لم تف بتعهداتها تجاه عملية السلام واكتفت بالانسحاب الصوري من غزة فقط ولم تكفّ يد الاستيطان ولم تفرج عن الأسرى وأعلنت عمليا موت خريطة الطريق إلى الأبد، واستمرت في سياساتها العدوانية والإذلالية تجاه الشعب الفلسطيني. ومن المستغرب أن يتباكى رئيس الوزراء بالوكالة «اولمرت» قبل يومين على خريطة الطريق بوصفها مرجعية عملية السلام التي ستصبح في مهب الريح فيما لوفازت حماس لأنها لا تعترف بها.

ـ ويتحمل الأمريكان