«فتح» الثانية يجب ان تولد وإلا فان فتح الاولى تموت او على الاقل تصاب بنوع من «الباركنسون» السياسي الذي يجعلها ترتجف افقيا وعموديا كلما انتج حراك القضية الفلسطينية متغيرات جديدة‚

لا احد ينكر دور فتح في حياة القضية الفلسطينية المعاصرة وهي منذ ان انطلقت في العام 1965 سجلت حضورا فاعلا وقويا وضمت شرائح واتجاهات متنوعة دينية وعلمانية تنوعت واختلفت مواقفها واحيانا كثيرة تناقضت تحت وطأة الاحداث التي شهدتها فوقعت فيها تفسخات وانشقاقات لا مجال لعرضها هنا ولكن المراجعة النقدية العميقة لم تحصل الا بشكل محدود لم يكن كافيا لخلق دينامية التجديد وكان هذا الامر بكل ايجابياته وسلبياته شديد الاهمية نظرا الى ما تمثله فتح في الصيرورة المعاصرة للقضية الفلسطينية وفي منظمة التحرير بالذات‚

اما اليوم وبعد الانتخابات الفلسطينية فلم يعد الوقت يسمح بتأجيل اجراء هذه المراجعة النقدية فالناخب الفلسطيني الذي انحاز الى حماس وعبر عن ذلك في صناديق الاقتراع التي افرزت غالبية مقررة لصالح حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني انما حاسب فتح من خلال محاسبة السلطة التي انتجتها اتفاقات اوسلو التي ماتت واذا كانت هذه المحاسبة لا تعني ابدا اخراج فتح من الحياة السياسية والوطنية فانها بالتأكيد تعني ان فتح اصيبت بهزة كبيرة ستبقى تموجاتها تتردد في جسم فتح على مستوى الكوادر والقواعد ومستوى صياغة الافكار والتوجهات والمواقف‚

المراجعة حتمية لان الخروج من الساحة السياسية والوطنية مستحيل ولان المخزون الذي تمتلكه فتح بعد ثلاثة عقود ونصف العقد من انطلاقتها هو مخزون قوي يمكنها من اجراء هذه المراجعة وان تأخرت كثيرا‚ ولعل اهم ما ينتظره المراقبون من عناوين هذه المراجعة يتمثل في ثلاثة عناوين كبيرة هي: كيفية اعادة بناء البيت الفتحاوي من الداخل على مستوى القيادات والتوجهات ثم كيفية صياغة المعطيات السياسية والعملية لبناء الوحدة الوطنية والعلاقة مع القوى الاخرى ومستقبل السلطة ثم كيفية تجديد منظمة التحرير وتحديد رؤية جديدة لاكمال النضال الفلسطيني بوجه الاحتلال الاسرائيلي‚

التفاصيل كثيرة تحت هذه العناوين وهي مترابطة ومتلازمة لا ينفصل واحدها عن الآخر ولكنها كلها في منتهى الضرورة وفي صراع مع الوقت ولكن ما يجب التنبه اليه بدقة هو ان المراجعة النقدية فكريا وسياسية وتنظيميا لا تعني في جوهرها الا عملا ديمقراطيا تتم في اطاره اعادة الدرس والتدقيق ضمن الحفاظ على الوحدة بعيدا عن الانزلاق نحو الانشقاقات كما حصل في مراحل سابقة‚ فكانت ردود فعل ولم تكن مراجعات موضوعية وديمقراطية وهذا ما يقود ـ اذا حصل ـ

الى بروز فتح الثانية من رحم التجارب والخلاصات التي مرت بها منذ العام 1965 حتى اليوم‚