بين سورية ومصر وشائج تاريخية بعيدة، فاول وحدتين حقيقيتين في الوطن العربي في عهد ابراهيم باشا وجمال عبد الناصر حصلت بين هذين القطرين، فعندما ترشح او تزكم الاولي فان الثانية تعطس، والعكس صحيح، فسليمان الحلبي هب من حلب الي القاهرة ليقتل الجنرال كليبر في مصر، وكذلك فعل الضابط السوري جول جمال عندما فجر نفسه في بارجة بحرية فرنسية في ميناء الاسكندرية.

وكافأت مصر دمشق وردت لها الجميل عندما انقذتها في اول وحدة عربية من السقوط في براثن حلف بغداد او في ايدي الشيوعيين عندما رضي جمال عبد الناصر بالوحدة مع دمشق في عام 1958، كذلك هبت مصر لنجدة سورية في حزيران (يونيو) عام 1967 بعد وصول معلومات خاطئة عن وجود حشود عسكرية اسرائيلية كاذبة علي الحدود السورية وكانت كارثة حزيران المعروفة.

وتتابعت جهود التنسيق المشترك بين القاهرة ودمشق والتي اتت بثمار حرب تشرين الاول (اكتوبر) 1973 التي نقول ولأول مرة انها حرب حقيقية اسرائيلية ـ عربية. حصل فيها صدام حقيقي بين الجندي الاسرائيلي والجندي العربي.

وتتابعت المشاورات وجهود التنسيق بين دمشق والقاهرة، فالدخول الاسرائيلي العسكري الي لبنان تقرر في قمة القاهرة المصغرة عام 1976 وانتظرت دمشق انتهاء حقبة السادات ووفاته لتعيد التنسيق هذه المرة مع مبارك الذي اصبح يسلك طريق القاهرة ـ دمشق او القاهرة ـ اللاذقية وكأنه مسافر من مدينة مصرية الي اخري.

والنظام المصري راعي الحساسية السورية تجاه لبنان ودافع عن حق سورية في ان يكون لها نفوذ في لبنان وحاول التوسط بين سورية واسرائيل لكنه فشل في هذه الوساطة، بينما اصاب في الوساطة بين انقرة ودمشق وأنقذ عاصمة الامويين من مدافع احفاد تاتورك عام 1998 كل ذلك علي حساب زعيم الاكراد عبد الله اوجلان الذي ما زال يقضي فترة السجن في احدي الجزر التركية المعزولة.

مبارك مثله مثل الاسد الابن لم يدرك التطورات الاخيرة في المنطقة وبدلا من ان ينصح صديقه الاسد بالانسحاب في الوقت المناسب من لبنان قبل ان يقع الفأس بالرأس بقيت علاقاته علاقات مجاملة ووساطات تقوم تحت الضغط والازمات بدون استباق حدوث مثل هذه الازمات.

ولعب مبارك دور ساعي البريد بين عواصم الدول الكبري ودمشق في قضية مقتل الحريري وطلب من هذه الاخيرة ان تستجيب لشروط التحقيق الدولي بدون اي مناقشة، واعدا بالعمل علي عدم ايذاء او الاساءة الي النظام السوري من حيث قضية السيادة، ولمبارك اسبابه الخاصة الذاتية والموضوعية في العمل علي عدم المساس بسيادة سورية اثناء التحقيق او جر الرئيس بشار الاسد امام المحاكم، وهذه الاسباب تتلخص بالتالي:

ـ لا يهم اي نظام عربي ان يجر الدكتور بشار الاسد امام المحاكم الدولية، لانها ستكون بمثابة سابقة دولية ستنطبق بعدها علي كل الزعماء العرب.

ـ لا يهم ابدا النظام المصري تعرض النظام السوري لاي مكروه، لان مبارك يحضر ابنه للوراثة رغم كل ما يشيع ضد هذا الامر، والسابقة السورية علمــــتنا ان نحتاط من مثل هذه الاشاعات، فالتوريث المصري يجب ان يتم مثله مثل الطريقة السورية وبأقل الخسائر الممكنة.

ـ لا يهم الرئيس المصري حدوث فراغ سياسي في سورية اذا سقط النظام وما يرافقه من فوضي فالحالة العراقية علمت الانظمة العربية ان يحتاطوا من مثل هذا السقوط.

ـ لا يهم النظام المصري ان يسقط النظام السوري لكي يحل محله حكم تيار اسلامي سيكون فيه مبارك محاصرا من غزة بحماس ومن دمشق بتيار اسامي. ويكفيه معاناته من الاسلاميين الذين هم داخل مصر.

ـ وهو الاهم، فهناك علاقات تجارية واقتصادية ومالية بين ابناء الطبقة الحاكمة في كل من سورية ومصر. وكان رئيس الوزراء السوري المنتحر محــــمود الزعبي قد هدد لو كتبت له الحياة بفضح مثل هذه الصفقات امام المحاكم. فالنظام المصري اولا واخيرا لا يهمه فتح مثل هذه الملفات وفي هذا الوقت بالذات.