قبل الكتابة عن فوز ’’حماس’’ في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، قررت أولاً أن أزور الضفة الغربية، وأن أتحدث إلى الناس• واليوم، بعدما أنجزت المهمة، تغمرني السعادة لما اتضح لي من الأمور، ولما انجلى أمامي من حقائق، لكنني في الوقت نفسه أشعر، وكأن الوضع مازالت تلفه الفوضى• فمع قرب أداء نواب ’’حماس’’ المنتخبين لليمين، يسود جو من التوجس حول ما يحمله المستقبل• بالإضافة إلى ذلك مازال أربعة عشر من النواب الفلسطينيين الجدد يقبعون في السجون الإسرائيلية عشرة منهم ينتمون إلى ’’حماس’’، وهو ما يشكل أكثر من 10% من مجموع المجلس التشريعي الفلسطيني• وفي غضون ذلك يبدو أن الأمر الوحيد الواضح هو المزاج ’’الراديكالي’’ الذي يميز الناخبين الفلسطينيين والإسرائيليين• وللتدليل على ذلك تمعنوا فيما يلي: استعدادا للانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 28 من شهر مارس المقبل افتتح حزب ’’الليكود’’ اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو حملته الانتخابية بتعليق ملصقات تتهم حزب ’’كاديما’’، الذي يمثل ’’الوسط’’ في السياسة الإسرائيلية، بعزمه الانسحاب إلى حدود •1967

بيد أن حزب ’’الليكود’’ سرعان ما تراجع عن خطه وسحب الملصق عندما أدرك أن العديد من الناخبين الإسرائيليين يحبذون فكرة الانسحاب تقريباً إلى حدود •1967 وقد يظن البعض أن الملصق، أُزيل من قبل حزب ’’كاديما’’ نفسه، بدل أن يكون هجوما شنه حزب ’’الليكود’’• ومن جانبه دشن ’’يوسي بيلين’’ الذي يتزعم حركة ’’ميريتس’’ اليسارية حملته الانتخابية بشعار يقول فيه: ’’بيلين سيقسم القدس’’• ومرة أخرى يمكننا أن نلمس بوضوح المزاج المتغير في إسرائيل، حيث كان مستحيلاً أن يتبادر هذا الشعار إلى الأذهان قبل عقد من الزمن• وبالنظر إلى الفشل الذي مُنيت به عملية السلام، فضلا عن حملة التفجيرات الانتحارية التي شنتها ’’حماس’’ تحولت الحملة الانتخابية إلى سلسلة من المواقف تعكس رغبة عامة لدى الإسرائيليين بالانفصال عن الفلسطينيين وإقامة حاجز معهم• وفي هذا الصدد يقول ’’آري شافيت’’ المعلق في صحيفة ’’هآرتس’’: ’’لم يبدِ الإسرائيليون قط ميلاً نحو السلام أكثر من هذه المرة’’، ويضيف: ’’غير أن هذا الميل مشروط بوجود شريك يمكن الوثوق به• وإذا ما توفر ذلك، فإن الناس مستعدون لإرجاع كل شيء لأن معظم الشعب بات يؤيد حل الدولتين•

لكننا توصلنا إلى هذه القناعة في الوقت الذي بدأ الفلسطينيون يبتعدون عنها’’• فقد أدار الفلسطينيون ظهورهم لحركة ’’فتح’’ المترهلة التي أسسها ياسر عرفات واختاروا ’’حماس’’ التي لا تخفي رغبتها في تدمير إسرائيل وإقامة دولة إسلامية على كامل فلسطين• وبالتالي فإنه في الوقت الذي يتفق فيه السواد الأعظم من الإسرائيليين على حل يقوم على دولتين، ينتخب الفلسطينيون حركة تنادي بدولة واحدة• لكن هل فعلاً صوت الفلسطينيون في مجملهم لصالح ’’حماس’’؟ الواضح أن حركة ’’فتح’’ وحلفاءها الذين كانوا في السلطة تحت قيادة الرئيس محمود عباس، خاضوا حملة انتخابية ضعيفة للغاية، وعلى قدر كبير من الغباء• فقد عانت الحركة من غياب الانضباط في صفوفها، حيث كان يتنافس في بعض المناطق أربعة مرشحين لـ’’فتح’’، بينما تتقدم ’’حماس’’ بمرشح واحد، وهو ما شتت أصوات ’’فتح’’ التي يفترض أن تذهب إلى مرشح واحد• والنتيجة كما يؤكد خليل الشقاقي ’’أن حماس حصلت فقط على 44% من الأصوات، لكنها فازت بـ56% من المقاعد، بينما ’’فتح’’ التي حازت على 56% من الأصوات لم تنل سوى 43% من المقاعد’’• وإذا كانت ’’حماس’’ قد انتخبت من قبل الشعب الفلسطيني لتؤمن الخدمات الأساسية التي يحتاجها الناس، وللإشراف على حكومة نظيفة تضع حدا للفساد والانفلات الأمني، فإنها أيضا انتخبت بسبب التفجيرات الانتحارية التي يعتقد الفلسطينيون أنها لعبت دوراً حاسماً في إخراج إسرائيل من قطاع غزة، ومنحتهم إحساساً بالكرامة فشلت ’’فتح’’ في توفيره•

وبالطبع لم يتأخر الرد الإسرائيلي طويلاً، حيث أعربت تل أبيب عن موقفها المدعوم أميركياً والقاضي بوقف كافة التعاملات مع حكومة فلسطينية تقودها ’’حماس’’، وقطع التدفق المالي إلى السلطة الفلسطينية، ما لم تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف، وتلتزم بالاتفاقات المبرمة مع ’’منظمة التحرير’’• ويعتقد الكثير من الإسرائيليين أن تضييق الخناق مادياً على حكومة ’’حماس’’ سوف يقود إلى الفوضى، وبالتالي الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة•

شخصيا، لا أعتقد أن الأمر بهذه السهولة، ذلك أن ما فهمته من مسؤولي ’’حماس’’ هو أنهم مستعدون لتحمل كافة الضغوط والصعوبات للبقاء أطول فترة ممكنة في السلطة دون الاعتماد على الأموال الخارجية• ولتحقيق ذلك ستعمد ’’حماس’’ إلى تحسين طريقة الحكم على أمل استمرار المجتمع الفلسطيني في الصمود، وعلى أمل تدخل العالم العربي وأوروبا للتخفيف من الضغوط الإسرائيلية والأميركية والحيلولة دون إسقاطها• وكما عبر عن ذلك أحد قياديي ’’حماس’’ الذين التقيت بهم ’’أشكر الولايات المتحدة التي قدمت لنا سلاح الديمقراطية، لكن لا مجال الآن للانسحاب لأنه لا يمكن لأميركا أو العالم أن ينقلب على انتخابات ديمقراطية’’

• ومع ذلك لن تكون مهمة ’’حماس’’ سهلة في إدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية، خصوصا وأنها لا تتوفر على نفس القدر من الرجال والسلاح الذي تتوفر عليه ’’فتح’’• وقد عبر عن ذلك الاستراتيجي الإسرائيلي ’’جيدي جرينشتاين’’ بقوله: ’’إن حماس تشبه إلى حد ما الحية التي ابتلعت فيلاً’’ حيث مازالت أمامها وجبة ثقيلة لهضمها قبل التفكير في أمور أخرى•

وعندمــــــا التقيــــت بهشــام عبداللــــه، وهــــو مراســـــل وكالـــــة الأنبــــاء الفرنسية في الضفة الغربية، أخبرنــــي أنه عندمـــا دخــــل أكبر مكتبـــة في الضفـــة الغربية، فوجئ بأعضاء ’’حماس’’ يطلبون شراء كتب أميركية حول الإدارة والتسييــر•