جميل حامد - الأزمنة العربية

غاب الخطاب السياسي الفلسطيني عن واجهة الحدث المحلي والعربي والدولي... الخطاب السياسي الفلسطيني ما زال محاصرا بالنزعة التنافسية على المقاعد البرلمانية ... الخطاب السياسي الفلسطيني يجوب الأرض المحتلة والأرض " المحررة " والأرض العربية بلغة فئوية وبمنطق حزبي ورغبة فصائلية ... الخطاب السياسي الفلسطيني يتغاضى عن الجدار ... ويقفز عن سلخ الأغوار ... الخطاب السياسي لم يسمع عن فسيفساء المعبد اليهودي تحت رام الله الذي روجت له إسرائيل... ويدفن نفسه تحت أنقاض الهزيمة والنصر...الخطاب السياسي الفلسطيني ينحسر في التمويل والمال والبحث عن مصادر" الشحدة والتسول " ....نعم لقد رهن الخطاب السياسي الشعب والأجيال والأرض الفلسطينية بالانتخابات التي بدأت على ارض الواقع منذ الإعلان عن موعدها وما زال مرهون بإفرازاتها وتشكيلاتها ونتائجها ..

فلسطين ليست أمريكا ... فلسطين ليست إسرائيل وليست كأي دولة في العالم .... إنها مشروع نظام سياسي قابل للنجاح أو الفشل ... نظام سياسي على بقعة محاصرة بجنون الاحتلال ومزروعة بالدم وهي ليست فصيل يلغيها خالد مشعل ويختزلها في حماس أو عزبة يرى بها دحلان مزرعة ... فلسطين بركان تحت كل الجبال والهضاب وكل المرتفعات الطبيعية والصناعية... فلا يجوز أن يغيب خطابها السياسي لان فتح خسرت أو لان حماس تريد الفوز بالتحدي ... فمن العار أن تدفع فلسطين ثمن الهزيمة والنصر لهذا أو ذاك...

من حق فتح أن تلملم نفسها من جديد وان تعيد حسابتها وتبحث عن مواقع الخلل التي أدت للخسارة وهي معروفة ولا تحتاج إلى فحص ونبش ... لكن ليس من حق فتح أن تعتزل الخطاب الوطني والسياسي وتكتفي بالبحث عما يفشل حماس .... يجب على فتح أن تدرك أن المعركة مع الاحتلال... وان دورها رياديا على هذا الصعيد وهو معمد بآلاف الشهداء الذين سبقوا مولد حماس ونشاتها بحوالي ثلاثين سنة ....

يجب أن تدرك فتح أن مسيرة خمسة عقود لا تنتهي بخسارة مقعد برلماني يجعلها تنسى موقعها في ضمير الفلاحين واللاجئين والمشردين والمشتتين ... فدورها الآن أهم مئات المرات من دورها في السلطة ... وإذا كان الفساد والمحسوبية والتنفذ قد الحقا الخسارة بهذه الحركة العملاقة التي أخرجت القضية من الظلمات إلى النور وانتزعت الهوية رغم كل المؤامرات التي ضيعت فلسطين على مذابح الأنظمة والمشيخات العربية فان بهذه الحركة روحا عربية وقومية وإسلامية تمكنها من القيام بدورها من خلال أي موقع تجد نفسها به ...

لا شك بان غياب الجامع والقاسم جرف البعض في فتح لحد ارتكاب المعاصي والموبيقات بحق هذه الحركة وأبنائها وهو الذي يضع على كاهل الشرفاء من أبنائها كل المسؤولية لإعادة الغربلة والعودة إلى الساحة بقوة الجماهير ودموع العواجيز الذي عرفوا فلسطين من كوفية ياسر عرفات وراحوا وانتخبوا فتح إجلالا لياسر عرفات في الوقت الذي انتخبت به كوادر من فتح النقيض الآخر في معادلة التشريعي .... ومن بينهم ستة عشر موظفا في مكتب الرئيس الحالي المتفرغين على فتح ويتقاضون منها رواتبهم ومنحهم .....

باعتقادي إن الانجاز الوحيد الذي حققته الانتخابات التشريعية يكمن في عملية الفرملة اللا إرادية أو الإرادية للتيار التطبيعي المتواطئ مع أية حلول هزيلة ..... غير أن الانتخابات ضمن منظور المراقب لما يحدث على الأرض الفلسطينية هي بمثابة مجزرة راح ضحيتها الشعب الفلسطيني البسيط والأرض الفلسطينية التي تتقطع بين جدار الفصل العنصري والحواجز والسلخ للأجزاء الغالية من فلسطين لصالح المشاريع الاستعمارية والاستيطانية .... فقد عملت إسرائيل ومن خلفها أمريكا على تغييب الاهتمام الفلسطيني الرسمي والفصائلي عن ممارسات الاحتلال على الأرض وتوجيهه فقط باتجاه مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية لتحقيق التالي ....:

أولا – الخروج من مأزق الضغط الدولي على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها اتجاه ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ

ثانيا – إعادة موضعة المجتمع الدولي بما فيه العربي خلف السياسات الإسرائيلية في المنطقة.

ثالثا – إعادة نشر قواتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 .

رابعا – تدمير أية إمكانيات لمفاوضات سلمية قريبة .

وعليه ستعمل إسرائيل إلى تثبيت الجدار كخيار امني استراتيجي ومقدمة لانسحاب إسرائيلي أحادي الجانب على غرار ما طبقته على قطاع غزة برضى دولي ومباركة أمريكية وتهريج عربي وتمريج فلسطيني وما يحدث الآن من سلخ للأغوار وإلحاقها بدولة الكيان سوى ترسيخ لما نحذر منه في ظل غياب العنصر الفلسطيني عما يحدث ويمارس على الأرض ..

المتتبع لما يجري على الأرض يعرف بان الأوضاع حرجة ولا يمكن مواجهتها بالخطابات النارية ... والكل يدرك حجم البشاعة التي تنفذها إسرائيل بصمت وتحت وقع الاحتفالات والانتقادات الفلسطينية الداخلية والتي تستدعي من طرازانات هذه الحقبة المريرة التوقف عن إبراز الوجه المشرق للاحتلال ... تستدعي أن تزوروا الأغوار وان تطلقوا المسيرات التي تقول أن الأغوار فلسطينية وعربية يا عرب ... تستدعي أن تتحضروا لاجتياح إسرائيلي ليلي لنبش رام الله من قاعها للبحث عن هيكلهم الجديد أم أن هذا الأمر أيضا ستغطون عليه باحتفال أو مسيرة بعد أن تكتشفوا أن رام الله التحتا تحتها رام الله السفلى....

من الواضح أن الإسراع في تشكيل الحكومة والبعد عن الاتهامات التي تمس كل فلسطيني .. بل إن المستمع للتصريحات الأخيرة يجدها تدمي القلب لبعدها عن الحقيقة وعن المعاناة الفلسطينية وعلى اختزال الوطن في جهة والجهة في شخص .... مأساة أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه ... مأساة أن تستمر إسرائيل في اللعب على جهلنا وخطاباتنا النارية ... مأساة حقيقية أن نغيب عما تمارسه إسرائيل بصمت ... ومأساة اكبر أن نقول لا علاقة لنا بما يحدث..!!