المشاركة السياسية للمرأة السورية في عقد الخمسينات من القرن الماضي اتخذت طابعا فاعلا أكثر من ذي قبل من خلال مشاركة المرأة كجزء من حركة الشارع السياسي الناشط آنذاك.

عام 1963 شكلت ثورة آذار نقطة تحول أساسية اذ طرحت الدولة في ظلها فكرا ومنطلقات تقدمية على الصعيد الاجتماعي وباشرت ممارسة خطوات اكثر سرعة وجذرية مما كانت عليه الحال من قبل، وفي عام 1970 قاد الرئيس الراحل حافظ الأسد عملية النهوض بوضع المرأة وخاصة في ما يتعلق بمشاركتها في الحياة السياسية. في عهده شاركت المرأة لأول مرة في عضوية مجلس الشعب ومجلس الوزراء ومجالس الادارة المحلية واتسعت مشاركتها في الأحزاب السياسية ونالت في بعضها مواقع متقدمة. ونشير هنا الى مشاركة المرأة في السلطة القضائية بدءا من منتصف السبعينات علما أن دخول المرأة ميدان القضاء ما زال موقوفا في عدد من البلدان العربية.

تطور مشاركة المرأة في الحياة السياسية في العقود الأخيرة من القرن العشرين يؤكد أن التحولات فرضت نفسها من خلال منطلقات تقدمية تبنتها القيادة السياسية ووضعتها موضع التنفيذ، ولم تفرضها قوة حركة المرأة وفاعليتها في المطالبة. هذا رغم وجود مطالب وتحركات سابقة الا أنها ظلت غير مثمرة .

تحتل المرأة مراكز جيدة في مجالات العمل المختلفة في التعليم والاكاديميا وفي الادارة والانتاج، لكن نسب النساء في المواقع القيادية في هذه المجالات ما زالت بعيدة جدا عن التناسب مع الثقل الاجتماعي للمرأة وعلى نحو أكثر وضوحا في مجال مشاركة المرأة في الحياة السياسية رغم التقدم الكبير الذي أحرزته اخيراً في عضوية القيادة القطرية لحزب البعث ثم في احتلالها في شخص الدكتورة نجاح العطار منصب نائب رئيس الجمهورية.

ما أسباب ذلك؟

يبدو لي أن ما نريده من واقع أقرب الى المساواة في الحقوق والواجبات في الحياة السياسية أمر يحتاج الى احداث تغيير جوهري في البنى الفكرية الاجتماعية يتجاوز هز الأفكار النمطية والموروثات السلبية الى رفضها ونفيها من واقعنا الفكري والنفسي نساء ورجالا. هذه الأفكار والموروثات لا تغادرنا بقرار ولا بأمر ولا بالارادة الطيبة وهي تبقى تصارع زمنا طويلا.

ولما كانت المشاركة في الحياة السياسية هي الفعل الأكثر تطورا ومسؤولية في الحياة العامة فإن البنى الفكرية النمطية والموروثات السلبية تملك التأثير الأكبر في مدى قبول هذه المشاركة والاقتناع بها. ما زال مجتمعنا العربي في كثير من الحالات يعتقد أن السياسة شأن يختص به الرجال. يمكن أن تكون المرأة طبيبة ومديرة مشفى أو استاذة جامعية وباحثة في مجال اختصاصها ولكن مشاركتها في الحياة السياسية مسألة أخرى.

نحن نريد مشاركة نسوية تتناسب نوعا وثقل المرأة في المجتمع عددا وكفاءة فهل نجحنا في سوريا وفي البلدان العربية عامة في ايصال فكر متطور عن موقع المرأة ودورها في حركة المجتمع الى غالبية نسائنا ورجالنا كي يكون من الممكن أن نتوقع امكان المشاركة المساوية أو المقاربة لهذا الثقل؟

ان طبيعة الاشياء تفرض أن المفاهيم والآراء مهما كانت رديئة لا يمكن أن تطرد إلا بإحلال مفاهيم وآراء بديلة. لا أظننا كعرب وكسوريين استطعنا تحقيق ذلك على امتداد شعبي واسع والفكر المتطور مازال محصورا في إطار نخب فكرية واجتماعية محدودة الاتساع. ثم إن التوافق غير متوافر بما يكفي لدى هذه النخب نفسها. دور المرأة هل هو مسألة تتعلق بالمرأة فحسب من باب الحقوق أم تتعلق بالمجتمع والوطن من باب التنمية البشرية والانسانية؟ نحتاج لأن نصل الى التوافق النخبوي كي نصل بعد ذلك الى التوافق المجتمعي حول الربط الحتمي بين مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتوافر شروط التنمية.

في الواقع السوري والعربي عموما معوقات ينبغي إبرازها:

 الموروثات والمفاهيم السلبية موجودة بكثرة بين النساء حتى بين النساء المتعلمات. لدينا من يحملن في اعماقهن وبالتالي بالممارسة وردود الفعل بقايا قليلة أو كثيرة من هذه الأفكار ومن نظرة دونية للمرأة.

 الدور الايجابي للدولة وقيادتها يمكن أن يشكل عاملا يقلل من فاعلية وحركة الأوساط الاجتماعية الفاعلة بأن يعتريها الاتكاء والاتكال على قرارات الدولة ومجهوداتها. التحفيز الفكري والاجتماعي والجهد التغييري يحتاج الى توافر عنصرين متضافرين : الرسمي والأهلي الشعبي، بكل ما يعنيه العنصر الثاني من ديناميكية ونضج.

 في المشاركة السياسية التمثيلية بالذات يلعب الفكر المتخلف لدى قسم من النساء دوراً في عدم اقبال المرأة على الاقتراع بشكل واسع. نلاحظ أن المرأة كثيرا ما تُعرِض عن انتخاب المرأة أو تأييدها أو تشجيعها في موقع عملها إما لعدم اقتناع بدور المرأة السياسي أو لعامل أناني الأمر الذي يبرز في أوساط النساء المتعلمات مع الاسف.

 تاريخيا درجت غالبية الهيئات الخيرية الاهلية في سوريا على التركيز على جانب الخدمات في انشطتها وهو واقع أظنه قائما في البلدان العربية الأخرى. التوعية والتطوير الفكري لا يحظيان بقدر كاف من العناية.

لا أعتقد ان مسألة عدد النساء المشاركات في هذه المؤسسة أو تلك تحتل المكان الكبير الذي نوليه إياها في سوريا وعربيا.

العدد مهم ولكن الأهم جدا هو ما تشكله المرأة من قوة ودفع وتأثير في الحياة السياسية من خلال توافر النماذج القديرة والناجحة.

ليس افضل من نموذج نسوي كفوء وسيلة لنفي المفاهيم السلبية وليس أسوأ من نموذج نسوي غير كفوء لتثبيت هذه المفاهيم. وللمثال، عندما تنجح "فاطمة" يقولون نجحت "فاطمة"، لكن عندما تفشل يقولون فشلت المرأة. لكن عندما يفشل "زيد" يقولون فشل "زيد" ولم يفشل الرجال.