موقع النعيمي

لقد أسالت عبراتها العبرات وخنقت كلماتها المخنوقة الكلمات، وفضحت تعابير الأسى على محياها كل الرهانات على سراب بقيعة يحسبة الظمآن ماءاً. سألت وهي لم تنتظر جوابا " أريد ابني ، لقد أدخلوه الجيب، لقد طردونا من بيتنا فصبرت، اما أن يأخذوا ولدي ، فلا "، لا يوجد اكثر قسوة عندما تشعر أم بالعجز حيال ما يحل بفلذة كبدها من اذى ...........

هذا كان حال تلك الام الخليلية التي استولى جنود الاحتلال على بيتها قبل عدة أيام وطردوها وبناتها وابناءها منه، فتجلدت صابرة، لكن استعصى عليها الصبر، وانهارت عندما انهالوا بالضرب على وليدها قبل أن يعتقلوه، تستغيث ، لكن لا مجيب !!! . حتى الآن وهذه المرأة ومعها الكثيرات من جاراتها يعشن خارج بيوتهن في ازقة الخليل. أنه من قواصم الظهر ألا تجد الحرائر بد سوى البيات خارج بيوتهن. لكن الطامة الكبرى أن نغض الطرف عما حل بنا من ذل وهوان ونلتفت لانفسنا، لكي يذبح بعضنا بعضا، يا له عار لف هذا الشعب، يا له من خزي كبير أن نطلق رصاصنا الى صدور بعضنا البعض، في الوقت الذي لازالت صرخات المرأة الخليلية المستغيثة تتردد في فضائنا، نعجز عن نصرتها، ومع ذلك لا نستحي أن نستغول على انفسنا. لقد بانت سواءتنا وانكشفت مكامن ضعفنا أسرع مما راهن عليه أعداؤنا، عندما عدنا لنفشل في الاختبار الذي تجاوزته الشعوب الحية التي تنشد الكرامة وتسلك طريقها.

لماذا تهون دماؤنا علينا الى هذا الحد ، نحن نمسي ونصبح نلعن الصهاينة لانهم لا يتورعون عن اسالة تلك الدماء. أنها لحظات يكون فيها باطن الارض خيراً من ظاهرها عندما يعلق وزير اسرائيلي على ما الاشتباكات التي جرت بين الفرقاء في غزة ، اذ قال " عن أي دولة يتحدث هؤلاء ، مثل هؤلاء البدائيون لا يستحقون دولة " . ما حدث هذا الاسبوع من مصادمات دامية هو امر ذو ابعاد كارثية ، ليس فقط بسبب الذين سقطوا بين قتلى وجرحى، وهذه كارثة بحد ذاتها، بل لأن ذلك يكشف مدى هشاشة تماسكنا وقدرتنا على ادارة الصراع ضد محتل أرضنا وصانع نكباتنا، يجب اتخاذ كل الخطوات من اجل ليس فقط تطويق ما حدث، بل لضمان عدم تكراره مستقبلا .