منذ أيام اهتمت بعض وسائل الاعلام برجل دين شاب و«داعية» ترك أثرا على مدار الأعوام الثلاثة المنصرمة من الاحتلال الاميركي للعراق على كثير من الشباب السوريين الذين يؤمنون «بالجهاد»، هذا الاهتمام والتغطية الصحافية حصلا بعد العملية الأخيرة التي قام بها «متطرفون» وسط دمشق وعلى مقربة من مبنى الاذاعة العامة والتلفزيون السوري، حين ضبطت أجهزة الأمن معهم بعض الكاسيتات والأقراص المضغوطة التي تحوي خطبا لرجل دين شاب يلقب بـ «أبو القعقاع», غير أن كثيرا من هذه التغطية لم تلامس الحقيقة، حقيقة الرجل.

قبل أحداث العراق، لم يكن محمود قول آغاسي (أبو القعقاع) لاحقا، وهو شاب كردي ولد عام 1973 في قرية الفوز شمال مدينة حلب وينتمي الى عشيرة الديدان، لم يكن معروفا من قبل الشارع الاسلامي في الشمال السوري، لكن الاجتياح الاميركي للعراق والصدمة التي خلفها عند الكثير من الشباب جعلت منه «نجما» خلال فترة قصيرة، اذ بات الآلاف منهم يقصدون جامع العلاء بن الحضرمي في حي الصاخور في حلب ليسمعون خطبه النارية المؤثرة.

وحسب عارفين به، فهو متخرج من في كلية الشريعة في جامعة دمشق و«يملك مهارات كبيرة في الخطابة والجدل والحوار وفن الاقناع واللغة العربية», ويبدو أن هذه المواصفات اضافة الى وسامته، أهلته ليكون ملهما «للجهاديين» الذين وضعوا الوصول الى العراق ومقارعة قوات الاحتلال نصب أعينهم, كان ذلك كله يجري في وضح النهار وتحت الشمس، ولا يثير غضاضة أحد , واذا ما أضفنا أن أبو القعقاع غالبا ما كان يؤكد على أنه ليس ضد «الدولة» وانما «أنا والدولة ضد الخطأ» ، يكون المشهد واضحا لناحية البيئة «الآمنة» التي سيعمل بها.

لا بل أنه راح يحث على التعاون مع الجهات الحكومية ويدعو الى «توحيد الجهازين الأمني والايماني» وكان يفسر ذلك على النحو التالي «كل انسان مؤمن، عليه أن يرى الأمن فعل ايجابي طالما كان هدف دين المؤمن الحض على رفع الأذى عن الانسان، والأمن يفعل ذلك».
في كتيب مؤلف من عشر صفحات فقط، وهو من النوع الذي يسهل حمله في الجيب ، تحت عنوان «حقوق ولي الأمر -الحاكم» يهدي أبو القعقاع كتيبه هذا الى « ابناء أمتي حكاما ومحكومين ، مسؤولين ورعايا ، حملة رتب وأصحاب لحى ، دعاة دين وفرسان سياسية ، عناصر أمن وجند ايمان».
في هذا الكتيب ثمة اصرار منه يتضح في العنوان ومن خلال التفاصيل على أن الرجل على علاقة طيبة مع «الأمن», وهذا جديد ومختلف بالنسبة «للجهاديين» الذين غالبا ما يقفون على مسافة من «الحاكم»، لا بل هم يكفرون الجميع .

وفي الصفحة الثانية التي أتت بعنوان «بيعتنا» يقول «نبايع الله على ألا ننازع الحكم أهله، والنصح لولاة الأمور والسعي الى وحدة صفوف الأمة حكاما ومحكومين على اساس العلاقة التعاونية التناسقية في مواجهة كل صور الفتن الداخلية والمؤامرات الخارجية ضد بلادنا، ونكون لوطننا أدوات بناء لا هدم ، وطاقات تعمير لا تخريب ، حتى وان ظلمنا وأصابنا الأذى».
الصورة تتضح أكثر في مكان آخر حين يقول «ان حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن».
هذا الداعية «الجهادي» لايخفي ابدا أنه على علاقة طيبة بأولي الأمر، لا بل أنه يحض على «السمع والطاعة» ويشيد بدور «الأمن»، هذا ما يقوله هو عن نفسه.

لكن رغم ذلك لم يستطع أبو القعقاع أن يضبط كل جمهوره من «الجهاديين»، ثمة مجموعة صغيرة خرجت عن سيطرته وفلتت من اشرافه، منهم من توجه بطريقته الى العراق، ومنهم من تورط في أعمال «ارهابية» داخل سورية، ففي يوم 2006/12/4 جرت اشتباكات في مدينة حلب شمال سورية «بين عناصر أمنية من قوات مكافحة الارهاب» و«مجموعة تكفيرية» أسفرت عن جرح اثنين من العناصر الأمنية واثنين من افراد المجموعة وأحد المارة في حي «النقارين» بالمدينة, بعدها توقف ابو القعقاع عن القاء الخطب في مسجده وتوارى عن الأنظار، وثمة من شاهده حليق اللحية في تلك الفترة, يبدو أنه لم يستطع ضبط «جهادييه» جيدا.

في دمشق ثمة من رآه، ولاحظ عليه مظاهر الثراء، سيارة من نوع «مرسيديس- شبح»، وشقة مستأجرة بحي راق ومريدين له يعملون كمرافقة ، يقبلون يديه اينما ذهب وحل، ويفتحون له أبواب السيارة عندما يلج اليها أو يخرج منها, قصة الثراء هذه تبدو عادية اذا ما تذكرنا قوة شخصيته وأثره على جمهوره من «المؤمنين» و»الجهاديين»، ففي مثل هذه الحالات يتدفق الجميع ، التاجر، والصناعي، ليحوذ على الرضى والبركات، وليقدم «الدعم» والأموال ليضعها تحت تصرف ابو القعقاع الذي يملك القدرة على تحريك الآلاف ، ابو القعقاع الذي بدوره سيقبل المساعدات المالية والعينية ليوزعها فيما بعد بطريقته «على الأسر المستورة والفقيرة ومن يحتاج»؟!

ولم تنته القصة هنا، ثمة من روى على لسان أحد الأمناء العامين للأحزاب ذات الشعارات الكبيرة لكن القليلة العدد والمعدومة التأثير، أنه يستطيع تأمين نجاح حزبه والحصول على خمسمئة ألف صوت في الانتخابات البرلمانية لأنه على علاقة طيبة مع أبو القعقاع الذي وصلت «كاسيتاته وسيدياته» الى كل قرية ومدينة في سورية.
لكن أبو القعقاع اليوم حليق اللحية من دون مسجد ومن دون خطابة طالما أن «الجهاد» في العراق أصبح مستحيلا بعد أن عملت السلطات الأمنية على رفع الكثير من السواتر الترابية وزرعت المئات مراكز المراقبة ونحو سبعة آلاف من حرس الحدود «الهجانة».