تمتلئ الصحافة الأجنبية بتقارير تبدو واردة من مصدر واحد، يحاول الربط بين هذه الأحداث والبحث الجاري في الأمم المتحدة بصدد مصير المحكمة الدولية، كما يجري الغمز بصورة مباشرة أحيانا وغير مباشرة أحيانا أخرى، من موقف المعارضة ومن موقف سوريا بصورة خاصة.

الوقائع التي يتجاهلها مثل هذا التحليل كثيرة أبرزها:

1- إن الأحداث قد بدأت عندما قرر جهاز أمني هو غير الجيش اللبناني، وبدون التنسيق مع الجيش، تنفيذ عملية أمنية تستهدف عدد من عناصر منظمة فتح الإسلام على خلفية قضية سرقة مصرف في منطقة الكورة، والسؤال هو، هل يمكن في ظل الإتهامات الموجهة لهذه المنظمة إثر ما أعلن عن نتائج التحقيقات بجريمة التفجير في عين علق، توقع أن تبقى العملية المقررة بالمداهمة لمواقع هذه المنظمة في حدود إطارها الجغرافي؟ وهل أن تفادي الجهاز الأمني المعني والمحسوب على الفريق الحاكم إتخاذ القرار على ما يستحق من إستعدادات لإحتمال توسعه وتحوله إلى مواجهة شاملة مع هذه المنظمة مجرد خطأ فني؟ وهل يمكن إتخاذ قرار المواجهة الشاملة من دون التنسيق مع الجيش اللبناني وإتخاذه كل إجراءات الحيطة اللازمة والتي لا تضمن حماية عناصره من المذبحة التي تعرضوا لها وحسب، بل تحول دون تمكن عناصر هذه المنظمة من السيطرة على منطقة جغرافية واسعة ترتب على إستعادتها تقديم الجيش لتضحيات كبيرة؟ فهل حدث كل هذا صدفة؟ ونتيجة خطأ في التقدير؟

2- عندما كتب الصحافي الأميركي الكبير سايمور هيرش مقالته الشهيرة في صحيفة النيويوركر، وتحدث عن مخطط يقوده مستشار الأمن القومي في الدولة الخليجية الكبرى، لإنشاء ما سمّاه توازن رعب مع حزب الله عبر تسليح ورعاية المنظمات السلفية الأصولية ونقل عن لسان ضابط سابق في المخابرات الأميركية أن عناصر هذه المنظمات تحظى برعاية ودعم وتمويل وتسليح من دول عربية تدور في محور الإعتدال، ومن أجهزة أمنية محسوبة على الفريق الحاكم في لبنان، حدد سايمور هيرش بالإسم، فتح الإسلام وعصبة الأنصار وجند الشام، فهل أن ما نشهده يؤكد أم ينفي ما قاله وحذّر منه هيرش وقبل الإتهامات التي وجهت لفتح الإسلام ؟

3- أليس من حقنا أن نتساءل عن الخطة الجهنمية التي تقوم على ضرب قوتين غير منضويتين في مشروع الفريق الحاكم وبالتالي المشروع الأميركي القائم على تفتيت المكونات الإجتماعية للكيانات الوطنية من جهة والإحتواء المزدوج لهذه المكونات من جهة أخرى، على طريقة ما يجري في العراق بداعي فشل الدولة الوطنية، وما نشهده اليوم إستنزاف لقدرة الجيش وهيبته من جهة وتوريط للمخيمات الفلسطينية في حرب يصبح في نهاياتها طرح مستقبل السلاح الفلسطيني هو الهدف من جهة أخرى، وليس مجرد مصادفة ما سمعناه من كلام أوروبي وأميركي عن التذكير بالقرار 1559 وما يتصل بسحب سلاح الميليشيات الفلسطينية.

4- أما عن الصلة بالمحكمة فهي قطعا موجودة، فكلما بدا أن لبنان يعيش مناخات من التصعيد والمخاطر، يصبح الحديث عن فشل الدولة الوطنية والحاجة لتوسيع نطاق التدويل أكثر، فلبنان مهدد وعلى المجتمع الدولي توفير أدوات الحماية القانونية والمحكمة في مقدمتها، وهذا ما كان يحصل مع كل عملية إغتيال وتفجير عندما تتخذ ذريعة لتسريع إجراءات المحكمة، منذ إغتيال جبران تويني وصولا إلى إغتيال بيار الجميل.

5- سبق لمنظمة فتح الإسلام أن أعلنت أن أحد أهدافها هو ضرب القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، وسبق لسمير جعجع أن حذر من إمكانية تعرض هذه القوات لعمليات تستهدفها، يا للمصادفة؟ كما سبق أن قيل عن دور تلعبه المحكمة في إقرارها بموجب الفصل السابع في توتير المناخات بين القوات الدولية التي تحمل علم الأمم المتحدة وبين أبناء الجنوب الذين ينتمون إلى فريق المعارضة، والذين سينظرون إلى قرار التحدي كنوع من الخروج على الدور الحيادي للمنظمة الدولية وتحولها طرفاً في الصراع السياسي الداخلي الذي يشهده لبنان.

6- لبنان أمام مشروع حريق كبير يشكل المدخل لتوسيع نطاق الوصاية الدولية عبر المحكمة وسواها، وتبدأ أصوات العم بالتحول إلى التشكيك بقدرات الجيش اللبناني، ويصل اللبنانيون على مشارف الإستحقاق الرئاسي وقد إستنزفتهم الأحداث الأمنية ليصبح سقف الطموحات الوصول إلى تسوية، أي تسوية وبأي ثمن، ولو برئيس أميركي الهوى والهوية.

عن نشرة " أخبار الشرق الجديد " :
http://www.neworientnews.com