في السادس من أيلول-سبتمبر الحالي، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف سورية، ويبدو أنها خرقت المجال الجوي التركي أيضاً. وحتى الآن، لم تقدم الحكومة الإسرائيلية أي تفسير لذلك. هل يعني هذا أننا على حافة حرب شرق أوسطية أخرى، حتى تصاحب تلك الحروب القادمة على الطريق والمعلقة راهناً، أم تلك البعيدة، ولو أنها في مرمى النظر في أفغانستان وإيران والعراق ولبنان وغزة؟

هل تحاول الولايات المتحدة أن تستبق هذه الأزمة الأخيرة بغية إيقافها، أم أنها أعطت إسرائيل خطاً أخضر لإثارتها؟

لا شك في أن لدى إسرائيل قضية جيدة لتسويغ قصف سورية. فالسوريون يساعدون في إعادة تزويد مقاتلي حزب الله في لبنان، وبحيث يمكن للأخيرين عند نقطة ما استئناف قصف إسرائيل بالصواريخ. ولكن عندئذ، لم تفتقر أي من إسرائيل وسورية إلى الأسباب للذهاب إلى الحرب. فإسرائيل على سبيل المثال ما تزال تحتل قطاعاً مهماً من الأراضي السورية منذ عام 1967. وهكذا، فإن المسألة لا تتعلق بما إذا كان طرف أو آخر يمتلك الأسباب لخوض الحرب، ولكنها تتعلق أكثر بما يأمل أي من الطرفين في جنيه من خوض حرب.

على السطح، لا يبدو أن لدى أي من البلدين شيئاً ليكسبه من الحرب، بما أنه لا يمكن توقع احتمال أن يسيطر احدهما على النتائج. ذلك أن سورية أضعف من أن تستطيع استعادة أراضيها، في حين أن إسرائيل أصغر كثيراً من أن تستطيع احتلال أراض سورية أخرى والاحتفاظ بها.

ومع ذلك، فإن لدى الطرفين أهدافاً أكثر مراوغة في المشهد. فإسرائيل تريد استعادة وضعها المعنوي وصدقيتها في مجال الردع اللذين كانت قد فقدتهما السنة الماضية في غزوها المفتقر إلى دقة الحساب للبنان. وتريد سورية أن تبقي على الضغط قائماً على إسرائيل من خلال نوابها في لبنان على أمل الارتقاء بمكانتها في المنطقة، وفي النهاية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان.

لكن القضية الحقيقية تكمن فيما يمكن لواشنطن أن تجنيه من نشوب حرب شرق أوسطية أخرى. لقد اعترفت إدارة بوش بأن إسرائيل قد هاجمت سورية الأسبوع الماضي، لكنها لم تعط أي مؤشرات على أن الولايات المتحدة قد سعت إلى منع ذلك، أو ثني إسرائيل عن تكراره. أما حقيقة أن إسرائيل كانت تفكر بشن مثل ذلك الهجوم، فقد كان شيئاً معروفاً على نطاق واسع في الدوائر الرسمية منذ عدة أشهر. وهكذا، فقد كان بإمكان واشنطن أن تلقي بثقلها في تل أبيب لو أنها أرادت ذلك.

كان قد نقل عن مسؤليين أميركيين لم تذكر أسماؤهم قولهم إن سورية تمتلك برنامجاً لإنتاج الأسلحة النووية. وكذلك تقول إسرائيل بالطبع. أما القول بأن سورية كانت تستطيع إخفاء مثل هذا النشاط لأي فترة من الزمن، فإنه يبدو أمراً بعيد الاحتمال.

لقد كان العالم يلاحظ لعقود تلك المسائل فيما يتعلق بالبرامج الهندية والباكستانية والإيرانية والكورية الشمالية قبل أن تثمر تلك البرامج. وسيكون من المفاجئ والمدهش تماماً لو أن سورية كانت في أي مكان قريب من حيازة التقنيات اللازمة وإتقان التعامل معها. ربما تكون كوريا الشمالية قد انخرطت في بيع قنابل مصنوعة مسبقاً، ولكن ذلك يبدو بدوره بعيد الاحتمال.

في غمرة الاستعدادات لشن الهجوم الإسرائيلي على لبنان في السنة الماضية، والذي أشعل جذوته عبور حزب الله للحدود وأسره جنديين من الجيش الإسرائيلي، قيل عن البيت الأبيض أنه كان قد حث على الغزو فعلياً. كما أفادت التقارير على نطاق واسع بأن إدارة بوش قد ثبطت أي توجه لقيام أي نقاشات بين الحكومتين الإسرائيلية والسورية، والتي تكون مصممة لمعالجة القضايا الواقعة في جوهر الصراع بينهما، وخاصة استعادة مرتفعات الجولان.

لدى أخذ هذا التاريخ الأخير بعين الاعتبار، فإن من المنطقي التساؤل حول أي إشارة – إن كان ثمة من إشارة- أرسلتها إدارة بوش بحيث أفضت إلى، أو جاءت كردة فعل على هذا الهجوم الأخير.

لقد كان الشعب الأميركي يركز، وعلى نحو مفهوم، على الحرب في العراق خلال الأسابيع الأخيرة. ولعل من المهم أن يدرك المرء مع ذلك أن العراق يشكل مجرد واحد فقط من نصف دزينة من الأزمات المدنية والدولية القائمة، سواء المعلقة منها أو المحلقة في الأفق المنظور للمنطقة.

إن شرقاً أوسط يحترق باللهب حرفياً من هندوكوش إلى البحر المتوسط لا يشكل بأي معنى أفقاً غير عقلاني أو مستبعد أو بعيد الاحتمال. وهكذا، فإن معرفة الشيء الذي تفعله الولايات المتحدة تماماً لإشعال حرب بين إسرائيل وسورية يظل أمراً في غاية الأهمية.