بسرعة انتقل الفلسطينيون من حالة الانكفاء في انتظار الحوار إلى الحوار بإرادة دولية وإقليمية، على إثر الانقسام بعد سيطرة حماس بالقوة العسكرية على قطاع غزة، الذي عزاه بعض المحللين على انه كان رسالة من بعض الأطراف الإقليمية لجس نبض الإدارة الأمريكية وإسرائيل وعلى مدى قوة وقدرة هذه الأطراف على التأثير على السياسة الأمريكية وضرب للمخططات التي تريد تنفيذها في المنطقة العربية.
الحديث المتزايد عن الحوار الفلسطيني جاء مع ورود بعض المؤشرات الإقليمية والدولية عن تخفيف حدة الاستقطاب فيما يتعلق بملفات عربية وإيرانية مترابطة ومتلازمة.
المؤشرات تلك بدأت تخرج للنور قبل عقد إجتماع "أنابوليس" ربما مع فكرة عقده التي نبعت من وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس في الأصل التي تقدمت بها للرئيس بوش المتدهورة شعبيته وشعبية حزبه، نتيجة الأزمة التي تعيشها إدارته في العراق، والرغبة في إنقاذ الحزب الجمهوري من خسارة الانتخابات القادمة قبل عام واحد على تنظيمها.
هذا التحول في الموقف الأمريكي يأتي من خلال سياسة تقودها رايس في عملية جديدة تهدف الى إطفاء حرائق أشعلتها الفوضى الخلاقة في فلسطين ولبنان، وإشعال حروب في أفغانستان والعراق والصومال، إلى التهديد بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران.
إطفاء حرائق بدأت بشائرها الأمريكية من حضور سورية اجتماع أنابوليس من دون طرح موضوع الجولان، والحديث عن قرب انتهاء الصراع السياسي اللبناني الداخلي والتوافق على رئيس جديد للدولة، وقرب عودة الفلسطينين للحوار، والتقرير الأمني الصادر عن 16 جهازاً أمنياً أمريكياً تؤكد ان إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري منذ العام 2003.
حسب بعض المصادر الصحافية فإن السعودية مارست ضغوطاً على الرئيس محمود عباس قبل التوجه الى أنابوليس لبدء الحوار بين حركتي فتح وحماس.
وحسب تلك المصادر فإن السعودية كان من احد شروطها على عباس أن ذهابها الى أنابوليس يتوقف على بدء الفلسطينيين بالحوار عقب انتهاء اجتماع أنابوليس، ويتضح ذلك مع الزيارة التي قام بها عباس الى القاهرة والسعودية، وأطلق فيها تصريحات ايجابية تجاه حركة حماس.
جاء ذلك أيضاً مع تأجيل الدعوة التي وجهتها إيران الى الفصائل الفلسطينية لزيارتها، في وقت توجه فيه وفد رفيع من حماس برئاسة خالد مشعل الى السعودية، وصدور تصريحات عن بعض أعضاء الوفد عن بدء اللقاءات في السعودية بين الوفد الحمساوي ووفد من حركة فتح متواجد حالياً في السعودية، وأخرى عن بعض المسؤولين المصريين الذين مارسوا الضغط على الرئيس عباس لبدء الحوار، والخروج من حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، والزيارة التي سوف يقوم بها وفد مصري الى إيران.
هناك ملفات إقليمية تم البت فيها بشكل مؤقت واعتبرت حركة حماس ان لقاءات مشعل في السعودية «مهمة جدا» لثقل الدور السعودي عالميا. وقال الناطق الرسمي باسم حماس سامي ابو زهري لـ«الشرق الأوسط» ان «اللقاءات تعتبر كسرا للعزلة التي أرادت الولايات المتحدة فرضها على حماس». وفي دمشق رأت مصادر دبلوماسية عربية أن زيارة وفد من حركة حماس للسعودية تأتي ضمن إطار مساع عربية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني قبل بدء أية مفاوضات جدية مع إسرائيل، وربطت المصادر في حديث مع «الشرق الأوسط» بين زيارة وفد حماس وبين «بعض الجفاء» الذي شاب علاقة إيران والفصائل الفلسطينية المعارضة المقيمة في دمشق أخيرا، على خلفية تأجيل الأخيرة أكثر من مرة تلبية دعوة طهران لعقد لقاءات.
وفي القاهرة قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أمس إن هناك دعوة من اللجنة الرباعية الدولية، للجنة المتابعة العربية، من أجل عقد اجتماع مشترك بين الجانبين في باريس على هامش اجتماع دعم السلطة الفلسطينية يوم الاثنين.
من جهة أخرى، أعلن ابو الغيط ان موفدا مصريا سيتوجه الى طهران خلال الأيام المقبلة لبحث «العلاقات الثنائية» وذلك في أول زيارة من نوعها يقوم بها مسؤول مصري الى إيران منذ القطيعة الدبلوماسية بين البلدين عام 1980.
جاءت التفاهمات لأسباب أمريكية داخلية تعبر عن الأزمة التي تعيشها الأخيرة، وليس بناء على قناعة بحق كل دولة ممارسة حقها في استغلال مواردها وإمكانياتها، كما يحدث مع إيران في قدرتها على إقامة مفاعل نووي سلمي، وحق سورية في تحرير الجولان المحتل.
السلطة الفلسطينية الممثلة بالرئيس عباس، وحركة حماس ظلا يرفضان العودة للحوار ووضع كل طرف شروطاً لبدئه من التراجع عن الانقلاب العسكري التي قامت به حماس في غزة، الى اتهام الأخيرة للرئيس عباس بالارتماء بالحضن الاسرائيلي، وعقده اجتماعات متكررة مع أولمرت على حساب العلاقات الوطنية الداخلية، كل ذلك عزز من حالة الانقسام والاستقطاب في الساحة الفلسطينية المنقسمة على نفسها منذ الرابع عشر من حزيران / يونيو الماضي من دون التقدم خطوة بالاتجاه الصحيح الذي يصب في المصلحة الفلسطينية.
يتضح ان الفلسطينيين لا يملكون قرار الحوار بينهم، بل تملكه أطراف إقليمية ودولية بناء على مصالحها الخاصة وليس بناء على المصلحة الفلسطينية.
وعلى رغم ما يطرح من معلومات صحافية وخاصة في هذا الشأن، وكل ما جرى في الساحة الفلسطينية من تفسخ للنسيج الاجتماعي والفصل بين شطري الوطن، والجرائم التي ارتكبها طرفا الصراع في حق القضية والشعب الفلسطيني، فإن على الفلسطينيين ان يستغلوا الفرصة التي دائماً تأتي من الخارج والانطلاق بحوار وطني شامل لجسر الهوة بين طرفي الصراع حركتي فتح وحماس، والبدء في حوار وطني شامل أساسه الحقيقة والمصالحة والمكاشفة، والعمل من خلال المشروع الوطني العادل في ظل حالة الاستقطاب الدولي والإقليمي، والنوايا الإسرائيلية التي تثبت يوما بعد يوم عدم جديتها في السير في المفاوضات التي أعلن عن البدء فيها في 12/12/2007، وعمليات الاستيطان المستمرة في القدس وأنحاء الضفة الغربية، والقتل اليومي الذي تمارسه دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، من خلال العمليات العسكرية المستمرة خاصة في قطاع غزة.