بشكل مفاجئ كثف جيش الاحتلال عمليات التصفية التي تستهدف قيادات وكوادر الجهاز العسكري لحركة الجهاد الاسلامي المعروف ب " سرايا القدس "، حيث قام جيش الاحتلال في غضون اسبوعين بتصفية أكثر من عشرين من عناصر هذا الجهاز، على رأسهم ماجد الحرازين، القائد العسكري العام ل " سرايا القدس ".الجيش الإسرائيلي برر استهداف نشطاء حركة الجهاد على هذا النطاق الواسع لإنفراد الحركة بالمسؤولية عن معظم عمليات إطلاق القذائف الصاروخية على المستوطنات اليهودية التي تقع في محيط قطاع غزة. يوآف جلانت قائد المنطقة الجنوبية في جيش الإحتلال أكد في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية أن إستهداف نشطاء " الجهاد " سيتواصل حتى توقف الحركة هجماتها الصاروخية على إسرائيل. لكن على خلاف على أن عمليات التصفية هدفت أيضاً الى ارسال رسالة الى حركة حماس مفادها، حيث المح نائب وزير الحرب الصهيوني متان فلنائي الى أن اسرائيل من خلال هذه التصفيات ترغب في دفع حماس الى الموافقة على تهدئة وفق الشروط الإسرائيلية. فإسرائيل معنية بإتفاق تهدئة يتم بموجبه توقف عمليات اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على اسرائيل، مقابل توقف عمليات الاغتيال والتوغل الإسرائيلية في قطاع غزة. لكن إسرائيل ترفض أن يتضمن اتفاق التهدئة إلتزامها بوقف العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، أو رفع الحصار عن قطاع غزة. لكن أكثر الأسباب أهمية وراء تصعيد عمليات الاغتيال ضد قيادت حركة " الجهاد " العسكرية هو قرار اسرائيل بتأجيل الحملة العسكرية الواسعة التي كان جيشها يخطط لشنها على قطاع غزة، والتي ستؤدي بكل تأكيد الى اعادة احتلال القطاع من قبل إسرائيل. فتكثيف عمليات الإغتيال ضد نشطاء " الجهاد " على هذا النحو غير المسبوق يأتي لردع حركة " الجهاد " عن مواصلة إطلاق الصواريخ، وبالتالي إقناع الجمهور الإسرائيلي بعدم الحاجة الى شن حملة عسكرية واسعة على قطاع غزة، بعد أن أدركت كل من القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل أن حملة عسكرية على قطاع غزة قد تؤدي تحديداً الى نتائج عكسية. الصحف الإسرائيلية أشارت الى أن قادة الجيش الإسرائيلي أكدوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت أن أي حملة عسكرية على قطاع غزة ستؤدي الى مقتل العشرات من جنود الاحتلال، دون أن يكون هناك ثمة ضمانة أن تؤدي هذه الحملة في النهاية الى وقف إطلاق القذائف الصاروخية. وكما يرى رون بن يشاي المعلق العسكري الإسرائيلي المعروف، فأن أولمرت يخشى أن يواجه نفس السيناريو الذي واجهه بعد إنتهاء حرب لبنان الثانية عندما اتهمته لجنة " فينوغراد " الرسمية بالتقصير في إدارة الحرب الأمر الذي أدى الى فشل إسرائيل في حسم المواجهة مع حزب الله رغم ميل ميزان القوى العسكري لصالحها بشكل جارف. ولا خلاف في إسرائيل على أن أي حملة عسكرية على قطاع غزة تؤدي الى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف جنود الاحتلال، أو أنها تفشل في وقف عمليات إطلاق الصواريخ سينظر إليها على أساس أنها فشل ذريع. القلق الإسرائيلي من إمكانية فشل الحملة العسكرية الواسعة تعزز في أعقاب تقييم نتيجة المواجهات العسكرية التي تمت مؤخراً خلال عمليات التوغل الإسرائيلية في عمق مناطق قطاع غزة القريبة من الخط الفاصل بين إسرائيل والقطاع، حيث تبين أن هذه المواجهات دللت على أن حركة حماس قد استخدمت وسائل قتالية من الممكن أن تؤدي الى الإخلال بميزان القوى العسكري القائم حالياً. فنتائج الإشتباكات التي دارت بين مقاتلي حركة حماس وجنود الاحتلال في المنطقة الوسطى من القطاع مؤخراً اثارت الشكوك لدى الجيش الإسرائيلي بأن حماس قد حصلت على صواريخ قادرة على اختراق دبابة " ميركفاة اربعة "، والتي توصف بأنها الدبابة الأكثر تحصيناً في العالم، واللتي لا تستطيع إسرائيل شن أي حملة عسكرية بدونها. وترى قيادة الجيش أن حماس استخدمت مؤخراً قذائف ذات رأس متفجر بإمكانها اختراق المدرعات الإسرائيلية، منوهة الى أن هذه الصواريخ بإمكانها اختراق جدران المنازل التي يحتمي بها الجنود أثناء عملياتهم في القطاع، منوهة الى أن هذا النوع من الصواريخ استخدم من قبل حزب الله خلال حرب لبنان الثانية، الأمر الذي ادى الى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من جيش الاحتلال. والذي يرفع مستوى القلق لدى الإسرائيليين هو استخدام المقاومة الفلسطينية لأول مرة مضادات أرضية لمواجهة مروحيات العسكرية أمريكية الصنع من طراز " أباتشي " التي توظف على نطاق واسع في تمشيط المناطق التي يخطط جيش الاحتلال لإجتياحها.

لكن أكثر ما يجعل إسرائيل أكثر تردداً في شن حملة واسعة على القطاع واعادة احتلاله هو الخوف من أن تتحمل المسؤولية عن توفير كل الخدمات للمواطنين الفلسطينيين بوصفها دولة احتلال. الصحف الإسرائيلية كشفت النقاب عن أن الدائرة القانونية في وزارة الخارجية الإسرائيلية اعدت ورقة حول الوضع القانوني لقطاع غزة بعد اعادة احتلاله من قبل إسرائيل، حيث أكدت الورقة أن اعادة احتلال القطاع من قبل إسرائيل يعني إنهيار السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، الأمر الذي يوجب على إسرائيل - حسب القانون الدولي- أن تكون مسؤولة بشكل مطلق عن توفير المستلزمات الحياتية والإنسانية للفلسطينيين هناك بحكم أنها دولة احتلال. وواضح تماماً أن اعادة احتلال القطاع يعني انهيار الإنجازات التي حققتها إسرائيل أثر فوز حركة حماس بالإنتخابات التشريعية في يناير من العام 2006، حيث استطاعت إسرائيل بناء جبهة عالمية وإقليمية ضد حكم حماس في غزة. ويحذر أوري ساغيه الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الى أن اعادة احتلال القطاع سيؤدي الى إنهيار الفروق الأيدلوجية بين الفصائل الفلسطينية، بحيث تتبنى جميعها الخط الأكثر تشدداً ضد إسرائيل.

وينوه يعكوف بيري الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية " الشاباك " الى أنه حتى لو تغلبت إسرائيل على كل المشاكل التي سبقت الإشارة إليها، فأن هناك مشكلة كبرى لا يمكن أن يتوفر لها حل وهي إيجاد جهة يمكن أن تستلم القطاع بعد أن تقوم إسرائيل بالقضاء على وجود حركة حماس هناك. وينوه بيري إلى أن أحداً لا يساوره أدنى شك أن أبو مازن ليس بإمكانه السيطرة على قطاع غزة، مشيراً الى أن أي جهة فلسطينية ستوافق على تسلم القطاع من إسرائيل سينظر إليها الفلسطينيون كجهة متعاونة مع إسرائيل وبالتالي لن تتمتع بالشرعية لإدارة شؤون الفلسطينيين. ويحذر بيري من مغبة العودة الى تجربة حرب العام 1982 عندما حاولت إسرائيل اقامة حكومة في لبنان متعاونة معها بعد أن احتلت أكثر من نصف مساحة لبنان وضمنها العاصمة بيروت، أثر قضائها على الوجود العسكري لمنظمة التحرير هناك. ويعيد بيري للأذهان أن إسرائيل ب " خطوتها الغبية وفرت الظروف لصعود نجم حزب الله "، محذراً الى أن إعادة احتلال القطاع يمكن أن يسفر عن نشوء قوة أكثر تطرفاً من حركة حماس وأكثر تصميماً على مواصلة النضال ضد إسرائيل.