ما قاله وزير التعاون الجيبوتي محمد علي يوسف خلال المؤتمر الصحفي أمس مع عمرو موسى يشكل النموذج السياسي الذي ساد منذ البدء بعملية التسوية، فالقضية في استخدام "دولة إسرائيل" ليست حقوقية بل منهجية، لأنها تتحكم بآليات السياسة التي يمكن أن يمارسها العرب أو النظام العربي.

عمليا فهناك الكثير من التساؤلات حول جدوى "عدم الاعتراف" بإسرائيل، أو حتى استخدام مصطلحات مثل "الكيان" و "الاحتلال" داخل الخطاب السياسي، طالما أن "إسرائيل" موجودة بفعل الواقع، ولها شرعية دولية قادرة على تعطيل أي قرار ضدها. وربما لا تؤثر مفردات الخطاب على وجود هذه "الدولة" أو استمرارها، كما يمكن وصف من يرفضون "التعابير الجديدة" بحقها بأنهم أصحاب "خطاب خشبي"... كل هذه الأمور سائدة اليوم، لكن الخطاب بذاته يعبر عن الثقافة السائدة، وعن طرق التفكير بـ"إسرائيل"، وينقل إلى حد بعيد الآليات التي يمكن انتهاجها في التعامل مع القضية الفلسطينية.

بالطبع فإن كلام الوزير الجيبوتي لن تكون له أهمية إستراتيجية نظرا لطبيعة دولته، لكن المهم أن هذا الموقف يوضح بالنسبة للنظام العربي ككل ثلاث أمور:

 إن مسألة الاعتراف بـ"دولة إسرائيل" هو تعامل مع الواقع، بينما باقي الأمور المتفرعة عنه هي نتائج لهذا الواقع يجب استيعابها، وهو ما حصل عمليا في مؤتمر وزراء الخارجية عبر التلويح بسحب المبادرة العربية لاستيعاب نتائج مذابح غزة.

 الاعتراف بـ"إسرائيل" ليس مشكلة، بل الأسئلة اللاحقة لهذا الاعتراف تشكل قضية، حيث تبدأ الصيغ السياسية باحتواء هذا الاعتراف على أنه يمثل توجها نحو "السياسة الدولية"، وربما "برغماتية" لتحقيق المصالح، فالمبادرة العربية التي رفض عمرو موسى أن تقدم أي تنازل جديد هي في ذاتها تنازلا ليس عن الحقوق الأساسية، بل أيضا عن حق مقاضاة "الدولة" التي تم الاعتراف بها سلفا تجاه أعمال عدائية تقوم بها.

 المقاومة هنا هي شكل طارئ يظهر نتيجة بعض "احتمالات التطرف" التي تظهر ضمن مسار التسوية، والواضح أنه منذ أوسلو تم التعامل مع أي شكل من المقاومة بإجراءات أمنية وليس سياسية.

لا يمكن الدخول هنا بنقاش قانوني بشأن استخدام الوزير الجيبوتي لمصطلح "دولة إسرائيل"، لأن الثقافة الاجتماعية هي التي تستوعب الوضع القانوني أو ترفضه إذا كان يهدد بنيتها، وعندما نفرض على المجتمعات إجراء سياسيا يعاكس الثقافة الاجتماعية فإننا نقف أمام احتمال التغير باتجاه ثقافة جديدة، وهذا الأمر لا يبدو أنه موجود، لأن ما أسماه الوزير الجيبوتي "دولة إسرائيل" لا تعترف حتى بإمكانية وجود ثقافات إضافية في محيطها وهو ما يعبر عنه محاولات "التهويد" الدائمة أو منطق تأسيسها أو حتى تعديل دستورها لتكون "دولة لليهود"... فـ"البنية الإسرائيلية" لا تحتمل التنوع أو التبدل ضمن محيطها، وبالتالي فإن "ثقافة التسامح" التي تتيح تحولا ثقافيا لـ"قبولها" غير متوفرة.

الاحتمال الثاني هو "المقاومة" أو "العنف بالتعبير الدولي الحالي، وعلينا أن لا ننتظر مقاومة ذاتية في ظل "دولة" تصر على صورة أحادية لذاتها بحيث تشعر دائما أنها مهددة حتى في أوج الهدوء الذي يسبق "التحضير للتسوية"...

والمقاومة أو الاعتراف بـ"دولة إسرائيل" لا تعني الوزير الجيبوتي، لأنه سيقف عند مضيق باب المندب ويتذكر أن بلاده ستحتاج دائما لغطاء دولي وهي تتحكم بهذا المنفذ البحري.....