"محمية سلام" هي المصطلح الذي سيشغل البعض في رؤيته لعملية التسوية الخاصة بالجولان المحتل، فالآليات الدبلوماسية مغرمة بخلق "مخيال سياسي" إن صح التعبير قادر على تأسيس "قواعد افتراضية" تسهل الحركة ولو على الصعيد الإعلامي، والواضح منذ "اختلاق" المصطلح أنه تجاوز حقيقي لكل التراث السياسي الدولي الذي ظهر منذ إصدار القرار 242، فبغض النظر عن أي موقف من هذا القرار، لكنه كان يتعامل مع نتائج "حالة حرب"، أما الحديث عن "محمية سلام" فهو حديث آخر مرتبط بحالة "العلاقات العامة"، أو التأسيس لـ"شركات قابضة" أو غيرها من المشاريع الاقتصادية.

ولا شك أن المعنيين بتحريك عملية التسوية داخل الإدارة الأمريكية ينطلقون اليوم من "إقرار مبطن" بعدم جدوى "القرارات الدولية"، أو "المبادرات العربية" أو حتى الترتيبات التي ظهرت مثل "خارطة الطريق" وغيرها، لذلك فهناك ضرورة لإيجاد سوية جديدة للتعامل مع المنطقة من خلال عمليات "التجاوز الحقوقي"، فالمسألة لم تعد "قضية احتلال" للجولان أو لغيره من الأراضي العربية، بل دعوة لـ"فض النزاع" على شاكلة تأسيس "شركات مساهمة" قادرة على استيعاب السياسة ولو لمرحلة مؤقتة.

وهذا التفكير ليس جديدا فهو معبر عن خط ظهر في السبعينيات وتعثر مرارا، لكنه أسس لـ"محميتي سلام" على الأقل في منطقة شرم الشيخ وفي أريحا بعد اتفاق أوسلو، لكن "بؤر السلام" كانت ذات طابع وظيفي وليست ظواهر سياسية لتأسيس واقع جديد، فعندما نتحدث عن شرم الشيخ فإننا نقرأ حركة سياسية عامة يؤديها هذا "المنتجع" ابتداء من ترتيب الاتفاقيات وانتهاء بتشكيل استقطاب سياسي في الشرق الأوسط، وفي أريحا يبدو الأمر مشابها حيث كونت هذه المدينة نقطة تشكيل "المصالح" الخاصة بـ"الطبقة السياسية" التي أنتجتها "السلطة الوطنية الفلسطينية".

"محمية السلام" آلية تبدو افتراضية لكنها ستمتلك طابعا وظيفيا يجعلها قابلة للتحقق إذا نسينا "قضية الاحتلال"، وهذا المصطلح البعيد عن نوعية الخطاب السياسي السوري تجاه الجولان سيجد من يستمع إليه داخل الأوساط الدولية وربما في قلب النظام العربي، فهو مخرج للذين فشلوا في إقناع الآخرين بالمبادرة العربية كحالة إبهار سياسي تجاه الغرب، لكن هذا الغرب لا يمكن إبهاره ببيانات لا تحميها القوة، ولا يحد أي مبرر في التعامل معها طالما أنها قابلة للتعديل بحكم الزمن، وبحكم التحرك "الإسرائيلي" بحروبه المتكررة.

هي قضية احتلال أولا وأخيرا، و "فض النزاع" لا يمكن أن يلغي الحقوق، فالحديث عن "محمية سلام" يشكل تفكيرا أكثر من كونه حلا، فهو طريقة لخلق "وظائف" سياسية لمناطق جغرافية احتلتها "إسرائيل" وتريد تغير شكل سلطتها فيها عبر تكوينات مختلفة.