وضع أسعار الموظفين محل المنافسة على المستوى الأوروبي والدولي.

وتعتمد هذه الخطة على فكرة أن الفروق جد كبيرة وواضحة بين أسعار الموظفين بين دول أوروبا الوسطى ودول أوروبا الشرقية والدول الآسيوية وكذا دول أمريكا اللاتينية، حيث تصل هذه الفروق إلى معدل 1الى10 بل أحيانا إلى معدل 1الى20، رغم أن مستويات الإنتاج تكاد تكون نفسها.

وتظهر هنا هيئة "بولكشتاين" والتي تبدي أغلب الحكومات الأوروبية ارتياحها منها، تبدو الفاعل الأساسي لعملية المزايدة على أسعار الموظفين (بعد أن كان كل من ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق و الاشتراكي باسكال لامي المدير المقترح لرئاسة منظمة التجارة العالمية، قد قررا دعم المفتش بولكشتاين في جانفي 2004، والذي تعزى إليه هيئة بولكشتاين).

هذه الهيئة هي المحرك الأساسي لكل الحملة ضد مصادرة أسعار الموظفين الأوروبيين. والحكومات التي دعمت هذه الهيئة هي نفسها تلك الحكومات التي تخوفت من صعود شعور الرفض للدستور الأوروبي المقترح في فرنسا، فسارعت إلى التظاهر بانتقادها الشكلي لتوجهات هذه الهيئة.

فكرة المزايد على الأسعار واردة عند قراءتنا المتأنية لبعض فقرات الدستور المقترح، ففي المحور – 3 – تحت بند حرية إنجاز الخدمات – المادة 3-144: " في إطار محور إنجاز الخدمات، فان حرية استقدام رجال الخدمات من داخل دول الاتحاد الأوروبي ممنوعة إلا إذا كانت العناصر المستقدمة من نفس بلد المستخدم. و قانون استقدام رجال خدمات يمكنه تمديد الحالة لصالح العناصر المقيمة بداخل الاتحاد"

الفقرة الأخيرة من هذه المادة تعد أكثر تعسفا حتى من طموحات هيئة بولكشتاين: لأنه بامكان كل الأشخاص في العالم أن يصيروا رجال خدمات بداخل الاتحاد.

والمقصود هنا هو وسيلة أكثر نجاعة في خفض الأسعار إلى أدنى مستويات لها، بمعنى أن الشركات متعددة الجنسيات تلتهم المزيد من الحقوق الاجتماعية للموظفين باعتبار أنه لا قوانين تحكم حركاتها وطموحاتها في التنقل والترحال من دولة إلى أخرى بغية الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية، وبالتالي الحد من إمكانية التفاوض الفردي أو الجماعي مع العمال ونقاباتهم، مادامت الشركات قد صار بمتناولها التهديد بإقفال وحداتها في أية دولة تشاء، ورفع مستوى الإنتاج كلما أرادت ذلك كما بامكانها ترحيل وحداتها من الدول أقل مستو للأجور في حالة ما إذا تزايدت احتجاجات الموظفين، ولنأخذ بعض الأمثلة التي تعيشها أوروبا في الأسطر التالية:

في شهر جويلية2004، نشرت اليومية الفرنسة "الأصداء"Les Echos، ما مفاده أن موظفي مصنع
Bosch كانوا قد قبلوا بالعمل لمدة ستة أيام إضافية خلال السنة دون أجر من أجل أن يتفادوا ترحيل مصنعهم إلى جمهورية التشيك. أما إدارة المصنع فقد تعهدت من جهتها بحفظ عدد مناصب الشغل البالغ 190 منصب من بين 300 منصب والتي سيتم حذفها مع نهاية عام 2008، أضافت الصحيفة مشيرة إلى أن هذا يعد "سابقة من نوعها في فرنسا".

حسب الجريدة، فان أغلبية كبيرة من بين ال820 موظفا بالمصنع، كانت قد وقعت على ملحق بعقود عملهم يرفضون فيه اقتراح زيادة مدة ستة أيام شغل خلال السنة أي بمعدل زيادة ساعة واحدة خلال الأسبوع " إنها مزايدة أخرى فردية وجماعية، وان أي فرد يرفض هذا الاقتراح سيتعرض للاستقالة في الشهر التالي" صرح سيرج تيشيللو، ممثل نقابة العمال للمصنع، ودائما حسبما ما كرت يومية "الأصداء".

وقع هذا في الوقت ذاته الذي مددت فيه بعض المجموعات الاقتصادية مدة العمل لموظفيهم الأسبوعية في بعض المواقع الصناعية في إشارة منهم إلى إمكانية ترحيل شركاتهم. ذلك ما لوح به كل من مجموعة "ديملر – كريسلر " ومجموعة " باير ".

مثال آخر عن مجموعة "شنيدر الكتريك" الرائدة الفرنسية في مجال تصنيع الأدوات الكهربية، وقد لوحت هي الأخرى بترحيل وحداتها.
" في الواقع الحالي، حيث تتصدر مفاهيم العولمة والتبادل التجاري، فان مجموعة شنيدر تسرع من نموها على المستوى الدولي من تحقيق المزيد من النجاحات الاقتصادية. وبالنظر إلى المستوى القياسي الذي وصلت إليه فرنسا في معدل الأجور، فان ميدان عملنا هو خارج الحدود الفرنسية" كان قد صرح أحد مسئولي شنيدر.
 [1]

تسارع وتيرة الأحداث

في شهر أوت2004، كانت نقابة العمال بشركة سيمنس قد وافقت على رفع عدد ساعات العمل اليومي من35الى 40ساعة دون زيادة في الأجور، مقابل أن لا يتم ترحيل إنتاجها (اتصالات الهاتف المحمول واللاسلكي) إلى هنغاريا. نفس الحالة عرضت على شركة "كونتينونتال" و " تيسان كروبس"وتبدو هذه الظاهرة في سيرها إلى التزايد.

وحوالي أربعين شركة ألمانية دخلت في مفاوضات من أجل رفع عدد ساعات العمل الأسبوعي من 40الى 42 بل وحتى إلى 50ساعة. (مثال فولكسفاجن) وحذف مدة أسبوع من المدة المقررة رسميا للعطلة.

وقد أعلنت الصحافة الألمانية والعالمية يوم13أكتوبر 2004، عن مشروع "جنرال موتورز" والذي يهدف إلى الغلق التدريجي لمصنع ماركته الشهيرة "أوبيل" للسيارات الواقع بمقاطعة" بوشوم" بألمانيا.

"جنرال موتورز" تضع لمساتها الأخيرة لمخططها الرامي لإعادة هيكلة مصانعها الأوروبية، مما سيحقق لها ربحا يقدر ب500 مليون أورو (615 مليون دولار)ن الأمر الذي سيسبب حذف ما يقارب ال12.000 منصب شغل من أصل 62.000 منصب لهذه الشركة في أوروبا. كما سيتم تحويل بعض أقسام الشركة إلى بعض دول أوروبا الشرقية و على أكثر احتمال إلى جمهورية التشيك.

هذا المخطط الترميمي لا يمس مباشرة مصانع "أوبيل" في سرقسطة باسبانيا، حيث تنتج كل من "كورسا" ، "كورسا فان" و" ميريفا"، وحيث يشتغل 7400 شخص.

بعض المؤسسات الفرنسية من جانبها، قد استجمعت عتادها وقامت بترحيله إلى العديد من دول أوروبا الشرقية، إلى رومانيا على سبيل المثال. وهي تقترح على الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم دون عمل، السفر إلى رومانيا مقابل أجرة تنقص بعشر مرات عن الحد الأدنى للأجر الرسمي بفرنسا، أي ما يقارب 100أورو (الحد الأدنى للأجور بفرنسا يقدر ب 1000 أورو).

عام 2005، بلغت نسبة البطالة مستويات قياسية، وقد انتهزت الحكومة هذه الفرصة من أجل تطبيق نموذج "بينوشي" المطبق في الشيلي. بمعنى إعادة إدماج الأشخاص للعمل في أطر قانونية مجحفة، لكنها حملت أسماءا ودلالات إنسانية عالية. سماها بينوشي آنذاك "برنامج الحد الأدنى للشتغيل"، حيث يتقاضى الأجير ما قيمته واحد أورو للساعة الواحدة.

كتب "فرانسوا شيسني" [2] يقول:

" لقد ضاعفت المجموعات الصناعية تجاربها التقنية والتنظيمية التي تسمح لها برفع مستويات الإنتاج إلى حدود قصوى في الدول التي تشهد نموا سريعا، وفي دول أوروبا الشرقية. إجراءات ليست كنظيرتها في الدول الأصلية وهي إجراءات في تزايد مستمر حتما.....إنهم يحاولون الإفادة من الفرصة الفريدة التي سمجت لهم لأول مرة من التحكم في الأسعار وفي الإنتاج في نفس الوقت، ومن التحكم أيضا في ظروف العمل والحماية الاجتماعية....إن ما يعرف بالدول النامية شكلت دائما بالنسبة للدول الصناعية لأوروبا الوسطى ذات النهج الرأسمالي، مادة خام بسبب وفرة اليد العاملة، والتي يستغلونها لتحقيق حاجاتهم على الوتيرة والنظام الذي يناسبهم. خلال الفترة 1950 – 1975 أيام النمو السريع للاقتصاد المسير من طرف الدولة، كان يتعين التحرك خلافا لما يجري اليوم. كان يتعين إعادة توزيع بعض احتياطي اليد العاملة لجهات أخرى.

لقد كانت طريقة أخرى لوضع أجور الموظفين محل المنافسة، لكنها كانت طريقة محدودة، لأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحكومية كانت تحد إجراءات إقصاء الأجانب من نظم الحماية الاجتماعية، كما كانت معايير التشغيل مطبقة على كل العمال على اختلافهم، وكانت النقابات مجبرة على الدفاع عن حقوق الأجراء إلى جانب الجمعيات المدافعة عن حقوق الأجانب. والمنطق الجديد اليوم يعكس رغبة الشركات في البحث عن اليد أينما كانت لاستغلالها حيث تقيم، وهي تستفيد من رخص العمالة في البلد المضيف، ومن ظروف الاستثمار المواتية لاستغلال العاطلين عن العمل بأقل تكلفة وأكثر ربحا بطبيعة الحال............... (...........).

لا يوجد أي حد من الضمانات في الدستور الأوروبي المقترح من أجل تجنب الخسائر التي قد يتعرض لها الأجراء، وعلى العكس من ذلك، فان هذا الدستور يضفي الشرعية على السياسات الاقتصادية التي نشهدها اليوم.

حقوق المرأة

في الدستور المقترح، نقرأ الكثير من التصريحات عن تساوي الحقوق بين الرجل والمرأة، وعن حقوق كثيرة للمرأة، لكن ليس فيه أية ضمانات تكفل التطبيق الصحيح لهذه التصريحات. أما عن تساوي المرأة والرجل في الأجور في الوظيف العمومي، فنحن أمام الصمت المطبق.

وبموجب قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الشغل لعام2001، كانت اللجنة الأوروبية قد هددت فرنسا بالمتابعة القضائية (مرتكزة على هيئة أي أي سي/207/76) لعام 1976 للاتحاد الأوروبي، وبمطالبتها بغرامة مالية تقدر ب950.000 فرنك فرنسي ابتداءا من 2001ن إذا لم تضع في قوانينها الخاصة بالشغل ما يشير إلى التساوي بين الرجل والمرأة في حقوق الشغل، وإذا لم تضع حدا لمسألة الشغل الليلي للمرأة في عالم الصناعة، والمعمول به ابتداءا من عام 1892.

والقانون الأوروبي المقترح في هذا الشأن، يعتبر أن الحق في الطعن ممكن جدا، لكنه يبقى "استثنائيا". أو ليس من الإنسانية أن نوقف العمل الليلي للرجل والمرأة في عالم الصناعة، بلا استثناء؟ حتى لا نتحدث بصراحة عن الابتزاز البشري الذي تجسده أوروبا الليبرالية في حق الكثير من نساء أوروبا الشرقية، اللواتي يتم تشغليهن في أوروبا الغربية.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: هلالي توفيق جميع الحقوق محفوظة 2005©

[1انظر جريدة ليبيراسيون الفرنسية:عدد 24 ابريل 2004-صفحة 19.

[2فرانسوا شيسنين قدم لكتاب " الشركات متعددة الجنسيات والتحكم في أجور العمال" لمؤلفه كلود بواتييه. طبعة لامارتان – باريس ماي 2003.