نادرا ما يدلي مسئول روسي رفيع المستوى بالكرملن، بتصريحات كالتي أدلى بها هذه المرة السيد فلاديسلاف سوركوف إلى المجلة الألمانية "دير شبيغل". وهي من التصريحات النادرة حسب تعبير بعض الخبراء.
 [1]

وفي السنوات الأخيرة، كان مسئولون آخرون من بين فضاءات الكرملن، قد أعربوا عن تصوراتهم للوضع السياسي الداخلي الروسي، كما قد تحدثوا عن احتمال حدوث تغييرات جذرية وتصفية لحسابات بين بعض التيارات المعارضة للسياسة الروسية داخل الكرملن. هذا ما كانت قد أشارت إليه بعض المؤتمرات الصحفية وبعض الحصص المبرمجة مع الرئاسة الروسية والمواطنين، والتي تدار مرة كل سنة.

وتبدو المداخلات التي أجراها بعض المسئولين الروس جد مثيرة للجدل، ولعل أهمها تلك التي أجراها المسئول رفيع المستوى بالكرملن، قبيل الانتخابات الرئاسية الروسية عام 2004، السيد ديمتري ميدفيديف عندما تحدث لصحيفة " فاينانشل تايمز" البريطانية، والتي شرح الخطوط العريضة والأهداف الرئيسة للكرملن خلال الدورة الانتخابية الحالية.

مقابلة المجلة الألمانية "دير شبيغل" مع السيد فلاديسلاف سوروكوف بتاريخ 20 جوان 2005.

ومع قرب الحملة الانتخابية للعام 2008، جاء الحوار الذي أجرته الصحيفة الألمانية "دير شبيغل" جد صريح، وقد كشف فيه عن المشكلات الكبرى التي تعترض الإدارة الروسية، والتي تعكس ككل مرة الوضعية المعقدة التي يعشها البلد، والتي تحمل في ثناياها، الرغبة في تغيير النظام والمسئولين، الأمر الذي قد يضع استقرار مهب الريح.

وبخصوص الوضع الروسي الداخلي، لم يعرج فلاديسلاف سوركوف على المسار الاقتصادي للبلاد، والإصلاحات المقترحة في هذا الميدان. ولم يتطرق فلاديسلاف سوركوف إلى الشؤون الاقتصادية. وقد يكون معنى هذا أن الكرملين لا ينظر إلى ما يجري في المجال الاقتصادي كالاستعاضة عن التسهيلات الاجتماعية المجانية بتعويضات نقدية والتطبيق المقبل لمبادئ اقتصاد السوق في قطاع التعليم والصحة، الأمر الذي يلقى معارضة واسعة من شرائح في المجتمع، كخطر على سياسته التي يجب أن تستمر بعد الانتخابات في عام 2008، باستثناء الوضع في جمهورية الشيشان التي تقدر نسبة البطالة فيها بـ70 في المائة. ويعتبر فلاديسلاف سوركوف هذا الوضع "كارثيا".

غير أنه هناك مشكلات أكثر خطورة بالقوقاز. فمن ناحية هناك مشكلة احتكار بعض الجماعات للسلطة وانعزال باقي روسيان ثم زيادة على هذا وعلى الخصوص، هناك مشكلة الإسلام المتطرف. هذه المشكلة التي خلفتها السياسات الخاطئة التي انتهجتها السلطات على حسب تعبير ديمتري ميدفيديف.وبوجه عام فإن موقف القيادة الروسية من شمال القوقاز حيث انتهت هناك الحرب ولكن يبقى الإرهاب قائما، يظل كما هو، أي أن هذه المنطقة يجب أن تبقى جزءا من روسيا.

ويبقى الإرهاب، مع ذلك، مشكلة خطيرة. وذكر فلاديسلاف سوركوف أن روسيا شهدت 250 عملية إرهابية في العام الماضي. والمهمة الرئيسية للسلطة في وضع كهذا هي منع القوى الشوفينية من استفزاز المتطرفين الذين يتسترون خلف الإسلام. ومن الواضح أن فلاديسلاف سوركوف ينظر إلى أعمال تنظيمات التطرف الروسية كـ"حزب البلاشفة القوميين" الذي داهم أنصاره مكاتب وزارة الصحة وسدوا أحد مداخل قصر الكرملين مؤخرا، كأعمال تنصبّ في إطار إشعال نار النزاعات بين الجماعات الاثنية في روسيا التي تحتضن القوميات الكثيرة. ويرى بعض المحللين أن الأكثر خطورة هو الاتحاد المحتمل بين القوميين الروس والمتطرفين الإسلاميين.

ولا بد من القول إن منظري الحركة التي اصطلح على تسميتها بالحركة البرتقالية يدرسون إمكانية حدوث سيناريو كهذا. وفي الحقيقة فإنه ليس مهما اللون بالنسبة لهم، المهم أن يؤدي تنفيذ سيناريو كهذا إلى زعزعة الاستقرار في روسيا.وما من شك في أن فلاديسلاف سوركوف يعرف أن هناك محاولات من هذا النوع لزعزعة الاستقرار، ولكنه يظن أن هذه المحاولات مآلها الفشل مشيرا إلى أن روسيا لن تشهد أي محاولة انقلاب على النظام.

لم يتلفظ المسئول الروسي رفيع المستوى ديمتري ميدفيديف، بمصطلح " الانقلاب على الحكم"ن لكنه ألمح إلى شيء مقلق لمصير روسيا، غير أن فلاديسلاف سوركوف، حاول في تصريحاته التقليل من شأن هذا الأمر قائلا " على كل حال، وحتى الآن لا تعتمد هذه التصريحات على دليل واضح" في رده على تصريحات ديمتري ميدفيديف.

ومن المهم أن فلاديسلاف سوركوف لا ينفي وجود المشكلات في روسيا بل إنه يقر بأن النظام المتعدد الأحزاب في روسيا ما يزال يفتقد إلى الاستقرار مشيرا إلى أن هذا "أحد مواطن الضعف عندنا". وما يريده مسئول الرئاسة الروسية هو أن تصبح الأحزاب قادرة على تقديم مرشحيها لمنصب رئيس الدولة والمناصب الوزارية، ولكن هذا ما يزال بعيد المنال خاصة وان حزب " روسيا الموحدة" الذي يملك الأغلبية الدستورية في مجلس الدوما لم يحدد أيديولوجيته بعد. ومن هنا فإنه من الباكر الحديث عن توحيد صف أعضاء هذا الحزب سياسيا وأيديولوجيا.

والشيء الأهم في نظر فلاديسلاف سوركوف، هو أنه لا يرى حزبا من الأحزاب الروسية الممثلة في البرلمان الحالي من الممكن قادرا على تسلم السلطة. ويقول فلاديسلاف سوركوف للمجلة الألمانية إنه لا يستطيع أن يتصور ماذا يمكن أن يحدث للبلاد فيما لو وصل الحزب الشيوعي أو حزب "رودينا" ("الوطن") إلى السلطة.

[1مقابلة مع فلاديسلاف سوروكوف – أجراها لمجلة دير شبيغل – كل من يوفي كلوسمان، و وولتر مايير بتاريخ 20 جوان 2005، صفحة 124 إلى 126.