اقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اسحق رابين أثناء عضويته في هيئة الأركان العامة للجيش في العام 1956، شن حرب ضد الأردن لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية. وكشف كتاب رسمي جديد صدر هذا الأسبوع عن دائرة أرشيف الدولة العبرية بعنوان “اسحق رابين، شهادات مختارة عن فصول حياته”، أنه نفذ جزئيا هذه الفكرة في حرب العام 1967.

ونشرت “هآرتس” أمس، قراءة في الكتاب بقلم المعلق العسكري أمير أورن، أشارت إلى أن رابين طلب من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ديفيد بن غوريون ورئيس أركان الجيش، قبيل العدوان الثلاثي على مصر في العام 56، استغلال الحرب ضد الأردن لطرد الفلسطينيين من الضفة.

وقال رابين وفق هذه الوثائق “أنني أعتقد أن بالإمكان إبعاد غالبيتهم”. وشدد رابين أثناء عرض فكرته على «أنه لا ينبغي لنا القول اليوم بطردهم جميعا بشكل كلي, ولكن يمكن القول أنه على وجه العموم يمكن طرد غالبيتهم. ولو أن الأرقام كانت صغيرة لكان الأمر أسهل، ولكن المشكلة في أساسها قابلة للحل. أنها ليست خطوة إنسانية، ولكن الحرب عموما ليست عملا إنسانيا».

ومن المعروف أن إسرائيل لم تشن الحرب ضد الأردن في تشرين الأول 1956، عندما شنت الحرب على مصر في إطار خطة ثلاثية مع كل من بريطانيا وفرنسا عرفت بالعدوان الثلاثي. واستبقت الحرب بتنفيذ مجزرة كفر قاسم التي ذهب ضحيتها العشرات من القرويين الفلسطينيين العائدين من مزارعهم إلى بيوتهم. ولكن خطة طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية تحققت جزئيا في حرب العام 67، عندما كان رابين نفسه رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي.

ويتابع الكتاب، رابين في السنوات الخمس وأربعين الأولى من حياته، ابتداء من طفولته مرورا بخدمته في “القوات الضاربة” للهاغاناه “البلماخ” وحتى نهاية خدمته كرئيس لأركان الجيش بعد حرب العام 67. ومعروف أن رابين عمل في فترة حاسمة من العلاقات الأمنية والعسكرية مع فرنسا، ملحقا عسكريا في السفارة الإسرائيلية في باريس.

وخلال ثماني سنوات تنقل رابين بين مناصب رفيعة المستوى، من رئاسة شعبة الاستخبارات إلى قيادة الجبهة الشمالية إلى تولي منصب نائب ثم رئيس الأركان. ويتبين من الكتاب أن رابين سعي طوال الوقت للتوجه نحو الصدام العسكري مع سوريا، من اجل إرغام النظام في دمشق على التوقف عن دعمه للعمليات الفدائية الفلسطينية ضد إسرائيل.

ويكشف الكتاب النقاب عن أنه في حرب العام 67، قال رابين أثناء عرضه تقريرا عما يجري في الضفة أمام اللجنة الوزارية لشؤون الأمن «لقد خلقنا إمكانية تسمح لكل من يريد الفرار أن يفر، من أجل منع وقع قتال ضار. كما لم نرغب في تدمير جسر اللنبي، للسماح بالفرار لمن يريد. وقد أبلغوني أن هناك حالة فرار. وبالإجمال هناك في المنطقة حوالى مليون عربي. ولنفترض أنه سوف يفر من هناك مئة ألف، فإن النزوح ليس شاملا».

ويتسم نشر هذه الأقوال وغيرها بأهمية خاصة لفهم البعد الترحيلي في العقل العسكري الإسرائيلي وفي الفكر الصهيوني. وليس من الغريب أن تنسب هذه الأقوال لرابين شخصيا، الذي قاد الحملة العسكرية لطرد سكان مدينتي اللد والرملة في حرب العام 48. ومن المؤكد أن رابين كان واحدا من بين قادة ألوية عديدين من الذين نالوا الإذن الشفهي من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ديفيد بن غوريون، بتنفيذ واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي. ونفذ قادة الألوية هذه في الشمال والجنوب والوسط عمليات عسكرية ومذابح ترمي لترويع الفلسطينيين ودفعهم إلى ترك منازلهم.

ولكن رابين الساعي لترحيل الفلسطينيين، كان أيضا بين أول من أيدوا إقامة دولة فلسطينية. ويشير الكتاب إلى أن رابين قال لرئيس الحكومة آنذاك ليفي أشكول أن «الفكرة المطروحة بخصوص إقامة دولة فلسطينية تنطوي على أفضلية إضافية وهي هامش المناورة الوحيد الذي نملكه». وفي هذا الإطار يقول الكتاب أن قضية الدولة الفلسطينية بحثت وأن أشكول قال لرابين أنه «يوما بعد يوم يزداد معارضة للفكرة». ورد رابين عليه قائلا أنه وبسبب عدم تأييده إعلان ضم الأراضي التي احتلت لإسرائيل، فإن هناك خياران: «إعادة هذه الأراضي للملك حسين بشروط معينة تضمن الأمن أو إقامة دولة فلسطينية». وأضاف «أعتقد أنه ليس لدينا من نعيد إليه هذه الأرض الآن».

تجدر الإشارة إلى أن عضو الكنيست العربي المقرب من حزب العمل سيف الدين الزعبي كان في حينه قد اقترح على أشكول إسقاط النظام الملكي الأردني في عمان وإقامة دولة فلسطينية في ضفتي النهر. ومن الجائز أن هذا النقاش وقع في إطار هذه الفكرة.

ويبين الكتاب أن رابين عارض بعد حرب العام 67 كل فكرة لإعادة هضبة الجولان إلى سوريا أو شبه جزيرة سيناء إلى مصر حتى لو كان ذلك في مقابل اتفاق سلام.

وفي احد الاجتماعات الأخيرة لقيادة أركان الجيش الإسرائيلي برئاسته، قال رابين وارييل شارون وغيرهما من قادة الجيش أن «السيطرة الكاملة على جميع المناطق يمكنها أن تضمن الأمن». وقال شارون في تلك الجلسة أن «إبقاء المناطق بانتظار اتفاق يعني أننا نفرض على أنفسنا كارثة».

ويبين الكتاب مع ذلك رفض رابين استمرار سيطرة إسرائيل على مليون فلسطيني، حيث أن في ذلك خطرا على إسرائيل ويمكن أن تقترب من وضع «شبيه بجنوب أفريقيا».

مصادر
السفير (لبنان)