بغية تغطية التهديدات بالأفعال عند الضرورة، أعد الجيش الإسرائيلي خططاً لشن هجمات في عمق قطاع غزة، على أن تتم بواسطة سلاح الجو بشكل خاص. وبحسب هذه الخطط، لن تسارع إسرائيل لإدخال قوات برية من أجل إعادة احتلال القطاع أياً يكن السيناريو الذي سيحصل بعد فك الارتباط.

بيدَ أنه الى حين الانتهاء من فك الارتباط ونشر التحذير، يمكن القول بشكل مؤكد أن من يعمل بدقة متناهية لمحاكاة ما يحصل على الحدود الشمالية هي حركة حماس تحديداً. فحماس تصرّ على الاحتفاظ بالسلاح البعيد المدى القادر على مسّ إسرائيل، على غرار الطريقة التي يقوم وفقها حزب الله بتهديد المستوطنات في البلاد.

بيدَ أن هذا ليس هو وجه الشبه الوحيد بين غزة ولبنان. فحماس أوجدت أيضاً خلال الأشهر الأخيرة قواعد لعبة وفق أسلوب حزب الله والتي تسمح فيها بموجبها لنفسها بين الفترة والأخرى بمهاجمة إسرائيل من دون سبب ظاهر وواضح. وفي جميع الأحوال، تحرص حماس دوماً على شن هجوم في أعقاب كل ما تعتبره خرقاً إسرائيلياً لقواعد وقف النار، حتى لو مسّت إسرائيل بشخص وهو في طريقه لتنفيذ عملية.
في الواقع، القيد الوحيد الذي تحرص حماس عليه في إطار التهدئة هو عدم تنفيذ عمليات انتحارية. فالعمليات في تل أبيب ونتانيا، التي حصلت منذ دخول وقف النار حيّز التنفيذ، نُفّذت من قبل حركة الجهاد الإسلامي غير الملتزمة أبداً التهدئة.

ثمة محاكاة إضافية من جانب الفلسطينيين لسلوك حزب الله وهو الادعاء الذي طُرح بشكل مفاجئ والذي يفيد أن الحزام الإسرائيلي الضيّق الواقع شمال منطقة غزة حيث مستوطنة “نتيف هعشرة” هي في الواقع أرض فلسطينية. في ضوء هذا الادعاء ثمة احتمال في أن لا يكون من قبيل المصادفة إطلاق النار القاتل أمس باتجاه هذه المستوطنة، بل أنه يهدف للتلميح أن حماس ستهاجم هذه المنطقة كما يفعل حزب الله الذي يهاجم بين فترة وأخرى منطقة هار دوف “مزارع شبعا”، بسبب الادعاء العار من الصحة بأن الأمر يتعلق بأرض لبنانية.

لكن مع كل الاحترام للمحاولة الفلسطينية لمحاكاة حزب الله حتى النهاية، يجدر بهم أن يتذكروا أنهم سبق لهم أن ارتكبوا خطأ كبيراً. وقد وقع هذا الخطأ بعد فترة قصيرة على استكمال الانسحاب الإسرائيلي من الحزام الأمني في جنوب لبنان، عندما وقع عدد غير قليل من الفلسطينيين في إغراء تصديق كلام زعيم حزب الله حسن نصرالله والذي يفيد أن إسرائيل أضعف من بيت العنكبوت. وقد تطلّب الأمر أربع سنوات ونصف من الإرهاب والمعاناة كي يفهموا أن المجتمع الإسرائيلي يكون مستعداً للنضال بصورة حازمة جداً عندما تقع العمليات قرب البيت، وبشكل يفوق إصراره على الاحتفاظ بمواقع الريحان والعيشية في لبنان التي لم يعد يذكرها أحد. وإسرائيل ستُبدي الحزم ذاته الذي أبدته خلال حربها ضد الإرهاب في حال تعرّض مستوطنة “نتيف هعشرة” للهجمات بعد فك الارتباط.

لكن الى حين فك الارتباط، فإن الوضع في هذه الأثناء أكثر تعقيداً بكثير. فإسرائيل ستواصل قدر استطاعتها التحلّي بضبط النفس في وجه الهجمات كما حصل أمس، حتى لو كان ذلك فقط من أجل استنفاد فرصة حصول عملية إخلاء المستوطنات ضمن الحد الأقصى من التنسيق مع الفلسطينيين. لذلك، كان الردّ خفيفاً جداً على العملية القاسية جداً التي أدت الى مقتل الفتاة. وبالمناسبة، الحد الأدنى للردّ غير مضمون أيضاً بالنسبة لردّ الجيش الإسرائيلي على حركة الجهاد الإسلامي بسبب المسّ بنتانيا، والتي لم يتم بعد إغلاق الحساب في شأنها.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)