يترقب اللبنانيون من المحقق الدولي ديتلف ميليس أن يوضح لهم اليوم الاجراءات المتخذة من قبل لجنة التحقيق الدولية، خصوصاً، احتجاز رموز سابقة في الأجهزة الأمنية، وقائد لواء الحرس الجمهوري مصطفى حمدان، ذلك أن سيلاً من التحليلات والشائعات والمواقف السياسية، أعطت انطباعاً أن عملية القبض على قتلة الرئيس رفيق الحريري تمت ولم يتبق سوى الكشف عن الذين أمروا بتنفيذها من أصحاب المواقع السياسية العليا، وما أشارت اليه محطة "المستقبل" التلفزيونية اثر احتجاز الرموز الأمنية والتحقيق معها، عزز من مقولة تورط هؤلاء في هذه الجريمة، وما قدمه الزميل فارس خشان في تلك المحطة عشية استماع لجنة التحقيق الى افادات المحتجزين، كان يؤكد من خلال ما سماه معلومات موثوقة وردت اليه من مصادر مطلعة، أن تفاصيل تورط هؤلاء في الجريمة تم كشفها، والشقق التي استخدمت للتخطيط لها، بدأت مداهمتها، وبدأ بين فترة وأخرى خلال البرنامج الذي يقدمه ينقل معلومة تلو أخرى، أوحت لكثيرين أن الجريمة كشفت وأن الحقيقة باتت في عهدة لجنة التحقيق وان المجرمين أصبحوا في قبضة العدالة.

بالفعل تم اقتحام شقق سكنية وقيل بحسب وسائل الاعلام ان هذه الشقق استخدمت لعملية التخطيط والتحضير لاغتيال الرئيس الحريري، لكن هاشم نصار المعني باحدى الشقق التي تمت مداهمتها، في شارع معوض، وهو صاحب مؤسسة تجارية في الشارع نفسه قال لـ"صدى البلد" أنه تفاجأ بما تعرض له، وقال بشيء من الاستغراب انه فوجئ بأسلوب المداهمة الذي فيه من الاستعراض أكثر من الدقة والجدية. ولفت الى أنه حين أحضر الى المحقق الدولي وهو كندي الجنسية عرض عليه المحقق صوراً فوتوغرافية للمحتجزين وسأله ان كانوا يجتمعون في الشقة السكنية التي تمت مداهمتها، فرد بالنفي وانتهى الاستجواب عند هذا الحد.

في المقابل تؤكد أوساط في تيار "المستقبل" أن احتجاز رموز الجهاز الأمني اللبناني السوري ما كان ليتم لولا معلومات دقيقة توافرت من مصادر متعددة صارت في حوزة ميليس، واعتبرت أن الأمر تخطى حدود الاحتجاز الى مسألة تحديد المسؤولية السياسية، في من أمر بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري. وفي هذا الصدد تشير مصادر موثوقة الى أن العملية السياسية في المرحلة المقبلة تتركز على التصويب على الرئيس اميل لحود وعلى الأجهزة الأمنية السياسية السورية التي ستدرج في لائحة الاتهام من قبل أطراف في فريق 14 آذار، وما يعزز من هذه المعلومات أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب سعد الحريري وبعض أطراف في لقاء قرنة شهوان، بدأوا يتدارسون مسألة المرشح الى رئاسة الجمهورية ويجري التداول بمجموعة أسماء في هذا الصدد تحظى بموافقة هذه الأطراف ويعتقد أن جنبلاط سينقل الى الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله رسائل دولية ومعطيات سياسية تدفع في اتجاه تغيير موقف الشيعة السياسي من حماية رئيس الجمهورية، ودخولها في موقف مشترك مع فريق 14 آذار قد يمهد لتقريب المسافة بين فريقي 14 آذار و8 آذار وتوحيدهما اذا أمكن حيال مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية.

في مطلق الأحوال ثمة اقتناع لدى فريق 14 آذار أن مرحلة جديدة قد بدأت مع الامساك برؤوس النظام الأمني السابق. ويعبر بعض عناصر هذا الفريق عن أن أمر العمليات قد بدأ ولن يتوقف قبل كشف "الحقيقة" واجراء التغييرات السياسية المطلوبة على مستوى السلطة السياسية والأجهزة الأمنية وفي مقدمها رئاسة الجمهورية وكيف ستبنى العلاقة مع سورية في المرحلة المقبلة في ظل أسئلة حول العلاقة السورية الأميركية ومستقبلها.

ثمة سيل من ضخ المعلومات التي تشير الى أن ميليس أنجز مهمته بشكل شبه كامل، ولن يحتاج الى تمديد مهلة تقديم التقرير النهائي الى مجلس الأمن الدولي، في المقابل لم تظهر أي مؤشرات جدية ومعلومات موثقة تؤكد هذا الضخ المستمر من المعلومات الموجهة نحو اتهام الجهاز الأمني السوري ــ اللبناني بجريمة الاغتيال، ويمكن أن يقدم ميليس ما يؤكد صحة هذه المعلومات غداً أو ينفيها أو يترك الأمر في التباس ربما يحتاجه كنوع من أسلوب يعتمده لكشف المزيد من الحقائق.

وفيما رأى السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان "أن ردة الفعل التي تعاطى بها الجسم القضائي اللبناني والجهات الأمنية اللبنانية وتجاوبهما مع هذا العمل (اعتقال الأمنيين) تعتبر مشجعة، جدد دعم الولايات المتحدة لعمل لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي ميليس، فان مصادر دبلوماسية غير عربية، تخوفت من أن تستخدم المناخات المحيطة بالتحقيق غير الواضح في نتائجه حتى الآن لتحقيق مكاسب سياسية، وفي رأي هذه المصادر أن المكاسب تندرج في الحساب الأميركي ـــ الفرنسي وليس اللبناني، وسألت ما هي الغاية من اثارة الخلاف بين لبنان وسورية وهل المطلوب اثارة زوبعة سياسية تمهد لتنفيذ مشروع وضع لبنان في موقع معاد لسورية ودفعه الى البحث مجدداً في علاقات مع اسرائيل وفي خضم ذلك تنفيذ نزع سلاح المقاومة؟

تتقاطع المصادر المتنوعة والمتعارضة على مسألة تبدو ثابتة في هذه القراءات لما يجري في لبنان اليوم، وهي أن جديداً قد بدأ تنفيذه في اجراء تغييرات سياسية تمهد لتنفيذ القرارات الدولية في لبنان والتي أصر الرئيس الفرنسي جاك شيراك على تنفيذها في حرفيتها، وفي موازاة ذلك فتح ملف سورية وبدء العمل على ملفاتها الداخلية.

مصادر
صدى البلد (لبنان)