قد لا يمضي وقت طويل، قبل أن يبدأ بعض الفلسطينيين وكثير من العرب بالمطالبة فتح اتفاق مكة لمزيد من المفاوضات والحوارات، فواشنطن أغلقت الباب في وجه هذا الاتفاق، وقد تعمم حصارها المضروب على حماس حكومة وحركة على فتح والسلطة والرئاسة، حتى يرضخوا لمطالبها المسماة زورا مطالب الرباعية الدولية، والشروع في الإطاحة بالحكومة وعزل الحركة الإسلامية الفلسطينية.

هي شروط إسرائيلية مائة بالمائة، يعاد إنتاجها بلسان أمريكي – غير مبين – ويجري العمل بها باسم الرباعية الدولية، فيما الرباعية عبرت على لسان الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس الروسي ومعظم قادة أوروبا عن الترحيب باتفاق مكة والدعم لجهود تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والرغبة في إنهاء الحصار الجائر المضروب على الشعب الفلسطيني بذريعة حماس، حكومة وحركة.

وهي امتداد لنظرية "غياب الشريك الفلسطيني" التي أطلقها باراك وبنى عليها شارون "مشروعه الأحادي" ونهض على أكتافها "حزب كاديما"، تلك النظرية الحاكمة لسلوك إسرائيل وسياساتها وإستراتيجيتها الأبعد مدى لحل القضية الفلسطينية، حتى وإن أدخلت عليها بعض "التغييرات والتعديلات".

وهي النظرية الذي ذهب الرئيس الفلسطيني المؤسس ياسر عرفات ضحية لها، وسقطت حكومة أبو مازن الأولى نتيجة لها، وحوصر الرئيس عباس بالتعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي بفعل تداعياتها، ويراد بها ومن أجلها إسقاط اتفاق مكة والإطاحة بحكومة الوحدة، وفي كل مرة كانت الذرائع الإسرائيلية جاهزة للتبرير والتسويق والتسويغ، وكانت الأذن الأمريكية صاغية تماما، فيما ألسنة الناطقين باسم الإدارة والخارجية والبنتاغون تتحرك ليل نهار في الترويج والدفاع والتبرير.

حذار حذار، من مغبة الوقوع في الشرك الإسرائيلي – الأمريكي المنصوب بإحكام للفلسطينيين، فلا أفق لحل سياسي جدي ولا أمل منظورا في حدوث اختراق على مسار عملية السلام...حذار حذار من مغبة الوقوع في شرك الحرب الأهلية مقابل وعود كاذبة ورؤى ضبابية، فليس في جعبة سيدة الدبلوماسية الأمريكية سوى مشروع الحرب الأهلية وخيارات "عرقنة" فلسطين...حذار حذار من "الصغار"، تكفيريين كانوا أم انقلابيين، الذين ربما ينتعش "سوقهم" من جديد ويتجدد "شوقهم" للفوضى والاحتراب خدمة لأجندات شخصية بائسة أو تماهيا مع فكر ظلامي مخيف.

وعلى الدبلوماسية الفلسطينية أن تخرج من شرنقتها وسباتها، وأن تجدد مسارات تحركها اللاحق ذودا عن الاتفاق وبحثا عن شبكة أمان لحكومة الوحدة، فالعرب الذي رعوا الاتفاق وأيدوه مطالبون القيام بدورهم دفاعا عنه وعن ترجماته، والأوروبيون الذين أطلقوا من الإشارات ما يكفي للبوح بضيقهم من الحصار ورفضهم الغطرسة الأمريكية هم هدف رئيس للحراك الدبلوماسي المقترح، وكذا الحال بالنسبة لروسيا والصين والكتل والدول الكبرى.

على الدبلوماسية الفلسطينية، مدعومة بدبلوماسية عربية نشطة ويقظة كذلك، أن تعود لأروقة الأمم المتحدة، وأن تعيد طرح المسائل الرئيسية بمجملها أمام المنظمة الدولية، حتى وإن أشهرت واشنطن الفيتو المرة تلو الأخرى، ولنذهب في معركتنا السياسية دفاعا عن "اتفاق مكة" وحكومة الوحدة حتى نهاية الشوط، ففرص النجاح هذه المرة تبدو عالية جدا، شريطة توفر الإرادة والحنكة والإصرار على تفادي الفوضى و"العرقنة".

عن "الدستور" الأردنية