ميخائيل خودوركوفسكي على الصفحة الأولى لمجلة ستاليستا عام 1992

ظل حلم انفجار الفدرالية الروسية يراود الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ليتم القضاء على آخر منافس فعلي لها. وسعيا منها لتحقيق هذا الهدف، فالولايات المتحدة تستغل اليوم وبقوة كل الفرص التي يمثلها الجيل الجديد من فئة الشباب الروسي المتعطش للسلطة. وفي ظل حكم الرئيس بوريس يلتسين، و بمباركة واشنطن، لندن و تل أبيب، تقاسم اثنا وعشرون شابا طموحا أهم الثروات الرئيسية للبلاد. ويبدو على الواجهة، واحدا هوالأكثر ثروة من كل هؤلاء. انه ميخائيل خودوركوفسكي،و الذي صار حليف الولايات المتحدة الرئيس، في مؤسسة شغلها الشاغل زعزعة استقرار الفدرالية الروسية. والمتأمل لتاريخ هذه المؤسسة ، ذلك الوحش البترولي المسمى "يوكوس"، ليدرك أبعاد الملامح الجيوسياسية، الاقتصادية، السيكولوجية، الاجتماعية والسياسية المتسترة وراء مشاريعها.

حظي ميخائيل خودوركوفسكي بمكانة عالية في وسط رجال الأعمال الروسي (ما يعرف في الاِصطلاح الفرنسي بالأوليغارك)، وقد عرف عنه اعتماده للأساليب الأكثر انحطاطا و قذارة لتحقيق مراميه بروسيا. وقد مكنته علاقاته الاقتصادية الهائلة، من الإفادة لحملة دعائية ضخمة، جعلت منه صورة "الرجل الذهبي" اللامع والأكثر احتراما. لكن بالمقابل، فلا هو ولا أمثاله من كان وراء تلك الثروات، وكل ما فعلوه أنهم هربوا كل خيرات البلاد شكلت ثروة طائلة لاسترضاء عملاء واقتصاديي مبنى "وول ستريت" ومبنى البورصة اللندنية ب "سيتي" . غير أن المنجزات التقنية والعلمية لم تكن لتتحقق دون انتهاك متكرر للقوانين، مستغلين في ذلك كل الثغرات القانونية للوصول إلى أغراضهم. أما طموحات ميخائيل خودوركوفسكي فقد كانت أكبر من ذلك، فقد رغب في الإمساك بزمام القيادة السياسية للبلاد.

ولد ميخائيل خودوركوفسكي عام 1963. ترعرع في موسكو. كانت والدته مهندسة في مصنع "كاليبر" وكان والده تقنيا في نفس المؤسسة.

واصل دراسته متخصصا في الكيمياء، بالتوازي مع ترقيه في السلم الاداري في حركة الشبيبة الشيوعية [1]. ويرجع الفضل في شهرته، الى عضويته في هذه الحركة، التي ساعدته على تأسيس شركته الاقتصادية الأولى، وكانت تعاونية تدعى آنذاك "ميناتيب".
 [2].وقد سمحت له المراسيم التي أصدرها الرئيس ميخائيل غورباتشوف بخصوص استقلالية تسيير المؤسسات عام 1987/88 ،بإنشاء مقهى عمومي، تحول فيما بعد إلى شركة تجارية [3]. كما حظي بالدعم والتشجيع من قبل رجال الطبقة الحاكمة السوفييتية،و الذين عرف عنهم عمليات تبييض أموال السوق السوداء. في حوار مع صحفي أمريكي "بول كلبنيكوف" [4]، أعلن خودوركوفسكي أنه عام 1988، كان قد ربح 130 مليون دولار عن طريق تسويقه للعديد من المواد و المعدات مثل أجهزة الكمبيوتر، مشروبات الكونياك و سراويل الجينز.

تم تسجيل شركة" مناتيب " كبنك معتمد عام 1990، لتعرف تطورا ونموا ملحوظا في السنين التي تلت. وكون خودوركوفسكي منحدرا من وسط سياسي وثقافي ماركسي لينيني، فاِن ذلك لم يمنعه من أن يصير مفاوضا تجاريا بارعا في إقناع المستثمرين و الموظفين معتمدا على خطط تجارية واعدة. تكلفت " مناتيب -امباكس" بالمعاملات التجارية الخاصة بقطاع البترول والسكر بين روسيا و كوبا، أما البنك فقد اهتم بتسيير العمليات المالية المخصصة لمعالجة أزمة مفاعل تشرنوبيل النووي. وبهذا الشكل حصدت مجموعة "مناتيب" ثروات طائلة من جراء تسيير حسابات جل الشركات الاستثمارية الكبيرة في روسيا، و التي تسير في أغلبها من طرف الدولة. كما نجح في استعمال أموال نفس الشركات من أجل إعادة شراء حصصها وبأرخص الأثمان أثناء خصخصتها !.حدث كل ذلك عام1992.

من اليسار إلى اليمين أرباب العمل الثلاث:ميخائيل خودوركوفسكي، بوريس بيريزوفسكي وفلاديميرغوسينسكي

بفضل علاقاته مع رجالات الدولة و مسيري الميزانية، والذين اتهم منهم الكثير باختلاس الأموال العامة، العامل الذي سمح للزعيم خودوركوفسكي بالتحرك بارتياح. فدخل بسرعة في دائرة المقربين من "يلتسين" و شارك في العديد من الزيارات الرسمية [5]. غير أنه بلغ قمة هذه السياسة التوسعية، بالتربع على عرش الشركة البترولية "يوكوس" عام 1995، وهو العام الذي تقاسمت فيه حفنة من رجال الأعمال المقربين من المعسكر الأنجلوسكسوني، ثروات البلاد بفضل القروض التي كانت موجهة آنذاك ضد النشاطات الاقتصادية التي كان يديرها فلاديمير بوتانين، إبان حكومة فيكتور تشرنوميردين. رجال الأعمال هؤلاء، كانوا قد قدموا قرضا بقيمة 2 مليار دولار، مقابل الكثير من الامتيازات الاقتصادية لكبريات المؤسسات بالبلاد. تم ذلك كله، بعد أن حددوا بأنفسهم هذه القيمة. وكانت حاشية الرئيس بوريس يلتسين، هي من وضع هذا العقد حيز التنفيذ هذا الاتفاق مقابل دعمه للبقاء في السلطة. تلك السلطة التي أمسك بزمامها اثر الانقلاب العسكري لعام 1991، والذي سمح له بإطلاق الحبل على الغارب، تاركا المجال مفتوحا لنهب ثروات روسيا، أو بالأحرى فاسحا المجال للطامعين، لأنه هو شخصيا لم يكن المستفيد المباشر. وخلال فرص المزاد العلني غير النزيهة، ربح فيها خودوركوفسكي وخلال دقيقتين فقط [6]، ما يعادل 78% من أرباح شركة
"يوكوس"، الشركة البترولية الثانية على المستوى الروسي، والرابعة على المستوى العالمي، أي بمعنى ما يعادل 350 مليون دولار، وهو رقم قياسي بالنظر إلى تاريخ الشركة المالي، والذي لم يجاوز كحد أعلى قيمة 40 مليون دولار. وابتداءا من هذا الحدث التاريخي، انطلق إمبراطور البترول الجديد خودوركوفسكي، لحملة ضمه وتحكمه في كم كبير من الشركات الاقتصادية المستقلة في ظاهرها عن دعم الكثير من الشخصيات غير المعلنة رسميا. غير ان دقة السناريو المفبرك بخصوص تاريخ هذه الشركة، تمكنه اليوم من التملص من كل علاقة مشبوهة. وقد كان من طرف القضاء، بتهمة التعامل مع مجموعة أشرار، يمتلك البعض منهم مايقارب الثلاثين شركة، والبعض الآخر كان من الناحية العقلية، غير قادر على ممارسة مثل هذه المعاملات. [7]

وبمجرد أن أصبح المالك الجديد للشركة، خاض خودوركوفسكي وبيد من حديد عملية إعادة تنظيم الإنتاج، كما أعلن للعمال الذين كانوا يشتكون من رواتبهم الهابطة و من الأوضاع المهنية الرديئة، قائلا: " إن لم يعجبكم الأمر، فسأستعين بالصينيين و لا يكون أمامكم إلا الذهاب !". لزم العمال الصمت حينها، لأنهم لم يكن لهم الخيار، لكنهم بقوا على ذكرياتهم الأليمة تلك. كانت رواتبهم تمنح لهم دوما نقدا، بحجة أن الشركة لا تتوفر على السيولة، ملوحة لهم أن الطريقة الوحيدة لدوام مسيرتها، هي خفض الرواتب. أما فلاديمير تاتارين [8] فهو يتذكر أنه في العديد من وحدات الشركة، لم يجد العمال ما يأكلونه فأكلوا لحوم الكلاب، في الوقت الذي كان فيه عملاق الشركة يزايد على بتروله في شركة " Eurasia Petroleum Company " خصوصا في منطقة "نفتيوغانسك" التي كان يستقدم منها أهم خامات بتروله. لقد كانت "أموكو" تحضر لمشاريع كبيرة في المنطقة.

شعار شركة يوكوس

ويجدر بنا التذكير،أن خودوركوفسكي ومن خلال بنك "مناتيب"، لم يشتري فعليا أغلبية الحصص في "يوكوس"، بل تعلق الأمر بوعود استثمارية ليس إلا. فقد اشترى هذا المضارب التجاري ممتلكات عدة لحسابه الشخصي، لكن من أموال الدولة، ليعيد الاستثمار فيها دون أدنى مراعاة منه للقيم الاجتماعية. كما عمل على "تسريع" القرارات الحكومية و ارتشاء السياسات ليمهد شيئا فشيئا لسيادة البلاد. وقد أعلن ذات يوم: " الفوضى المقننة، هي أفضل الطرق لكسب الأموال الطائلة". كما أن شركة "يوكوس" قد احتفظت بثلث عمالها و 95% من نشاطاتها، واحتفظ مسيرها الجديد بثلاث مهمات أساسية: منع السرقات و اختلاس الأموال، تخفيض الرواتب و تخفيض الضرائب. ومن جهتها، سعت شركة "يوكوس" الجشعة إلى ابتزاز أرباح الدولة ومصاريفها. وكانت تلك هي الممارسات التي سببت أزمة سنة 1998،
وبالتالي توقف الدولة عن سداد الرواتب. لقد كان لأباطرة أرباب العمل مصلحة جمة في انهيار العملة الروسية"الروبل"، هذا الانهيار الذي أنعش استثماراتهم. وقد وضع خودوركوفسكي شركات عديدة، من مهامها نظريا لعب دور الوسيط لشراء البترول و مواد أولية أخرى بأثمان زهيدة و بيعها في السوق الدولية بفائدة 100% و أكثر. وطبعا كانت تلك الشركات تقع خارج المجال الخاضع للمراقبة الحكومية. و كلما تم تبييض تلك الفوائد في الغرب، لمعت صورة هذا المضارب وهو يحقق أربحا بملايين من الدولارات في مجال الاتصال بشكل خاص.
أما الصحافة الفرنسية، فقد روت بالتفصيل مشاهد ذلك الاخفاق المؤلم، لواحدة من أهم الشخصيات المتخصصة في التسيير المالي لحسابات خودوركوفسكي، وغير الخاضعة للمراقبة الحكومية9، إنها
"إلينا كولونج بوبوفا". لقد مارست هذه الوظيفة إلى أن ألقت عليها مصالح الضرائب الفرنسية القبض عام 1988 [9]. كانت "الينا" قد التقت المدير المالي لشركة "يوكوس" في مدينة " سانت تروبيز" الفرنسية عام 1995، وكان عملها مبنيا أساسا على التلاعب بالحسابات البنكية بين كل من سويسرا و مقاطعات الأنتيي غير الخاضعة للرقابة المالية الفرنسية. لقد أقرت هذه الموظفة بالعديد من المخالفات القانونية التي وضعت لأجل تهريب الأموال، كما أكدت أن الشركة بددت كل تعاملاتها بسبب الجري الفادح وراء كل الفضاءات الجغرافية التي ترفع فيها الرقابة المالية عن الضرائب. هذا ما تثبته الوثائق التي تحتفظ بها السلطات القضائية الفرنسية، و التي تم إرسال قسم منها إلى أجهزة القضاء الروسي.

وقبيل الإفلاس التام المالي لشركة "يوكوس"، فقد انخرطت هذه الأخيرة في محاولة للانقضاض على صفقة مالية كبيرة لآخر شركة وطنية تدعى "سيبنيفت"، وقدرت بقيمة 2 مليار دولار. وبعد ذلك المد الثوري لعام 1991، و ذلك الشعور الشعبي المعلن ضد مكتب الاستخبارات الروسية والحزب الشيوعي السوفييتي، جاء دور أباطرة الاقتصاد يتزعمهم النجم اللامع خودوركوفسكي، ليتحكموا في مواقع حساسة من دواليب الحكم الروسي. أما عمال البترول، والذين يعانون المجاعة، فقد باعوا من زمن طويل الأسهم التي تكرمت بها عليهم عمليات الخصخصة. واليوم فإننا نعرف جيدا من أعاد شراء هذه الأسهم. أما عن حقوق العمال فحدث ولا حرج، فقانون العمل المعمول به حاليا، هو نفس قانون الحقبة السوفييتية لم يتغير، ولا يعطي أي ضمانات حماية للعمال سواء من طرف الدولة ولا حتى من طرف النقابات المعنية. وحسب رأي المحلل "ألكسندر ترفونوف"، فان خودوركوفسكي، لا يعدو أن يكون ذلك الشخص الذي حول مصانع الإنتاج السيبيرية إلى معتقلات للأعمال الشاقة، يكسوها غطاء عصري [10].

والمثير للعجب ، أن أغلب تكتلات مجلس "الدوما" (البرلمان الروسي)،كانت تأتمر بأوامر شركة "يوكوس"
و تتحرك بإيعاز من شخصيات شغلت مناصب وزارية. فنجد مثلا الحزب الشيوعي، اتحاد قوى اليمين،
الحزب اللبرالي "إيابلوكو" و حركة "الوحدة"، كلها حركات تلقت تمويلا مباشرا من طرف الزعيم خودوركوفسكي . كما أبرمت "يوكوس" صفقة إستراتيجية كبرى، لمدة خمسة أعوام مع الحزب الشيوعي بقيمة 70 مليون دولار، فكان هذا الأسلوب في التعاطي السياسي، هو الذي سمح له بإبطال أي قرار في البرلمان. وقد تساءل بعض المراقبين في الغرب: لماذا كانت الحكومة تراهن كثيرا على شركة "يوكوس"، لأنه بالفعل كانت "يوكس" وجها آخر للحكومة. وقد تساءل البعض الآخر من الملاحظين في روسيا معربين: إن من وصل إلى هذه الدرجة العالية بهذه السرعة، فإن سقوطه سيكون جد مؤلم.

ميخائيل خودوركوفسكي طالبا جامعيا

تغير مجرى الأحداث، حين قرر خودوركوفسكي عام 2003 أنه سينسحب من عالم الأعمال والصفقات عام 2007، للترشح للانتخابات الرئاسية. كما حاول قبل هذا، إملاء رؤاه على الحكومة بخصوص الحرب على العراق والتي كان يؤيدها، وبخصوص أيضا الاقتصاد السياسة الداخلية على حد سواء. وقد توقعت جريدة "شبيغل" الألمانية، أن زعيم البترول صار أقوى حتى من رئيس الجمهورية، وأنه كان قد خطط للإحلال محله. في هذه الفترة، كان خودوركوفسكي مستعدا لبيع نصف قيمة شركة" يوكوس" إلى شركة "ايكسون موبيل" الأمريكية [11]. وكان ينوي أيضا بناء شبكة خطوط أنابيب نفط تضمن له المزيد من الاستقلالية. أما عن العلاقات بين شركة "يوكوس" و عالم المال و المخابرات الأنجلوسكسونية فقد كانت قائمة فعلا. وكانت الولايات المتحدة قد أدركت أبعاد مسألة تحكم الحكومة الروسية في أنابيب النفط، و أنها هي الوحيدة المسئولة عن تقرير كمية النفط التي يجب إنزالها إلى السوق. أما عن شارل ريان، زعيم مجموعة " United Financial Group " و مستثمرين آخرين، فقد كانت بغيتهم الكبرى، إخضاع روسيا لمطالب شركة "يوكوس"، أو بمعنى أصح، تدمير الجهاز الحكومي وتفكيك الدولة، باعتبارها العقبة الكبيرة على طريق اغتناء روسيا و إزكاء ثرواتها.

لم يكتف خودوركوفسكي بتنمية ثرواته، وإطلاق لطموحاته الشخصية. بل كانت له علاقات مع هنري كيسنجر و جورج سوروس. متهم بخيانة بلاده والتحضير لانقلاب عسكري ضد فلاديمير بوتين، بعد أن رشا إطارات من الجيش. وكان من المتوقع توقيفه في اللحظة الأخيرة لمنع الانقلاب العسكري الذي أعد له. [12] هذه الرواية إن تم التأكد من صحتها، فهي تعطي تفسيرا لحجم تلك الامكانات العسكرية التي استعملت للقبض عليه.

اعتمد خودوركوفسكي على ما يعرف في المصطلح الاقتصادي الغربي، بالفضاءات المالية غير المراقبة ضريبيا. [13] وكان ذلك طوال مسيرة صعوده إلى القمة. [14] ويروي السيد كونانخين على موقعه الالكتروني، أنه أسس مع خودوركوفسكي، أول بنك على الانترنت في بداية التسعينات في مقاطعة " أنتيغا" المعفاة ضريبيا. غير أن البنك اختفى سنة 98، حين أطلق الديوان الوطني لمراقبة المخدرات و تبييض الأموال حملة إنذار ضد البنك [15]، فراحت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بعدها تراقب عن قرب نشاطات الرجلين اللذين شرعا في تطوير الفرع الأمريكي لشركة "مناتيب". أما المديرية المركزية بمقاطعة "لانغلي"، فقد سعدت كثيرا بملايير الدولارات القادمة من أوروبا الشرقية، و صار خودوركوفسكي بمثابة الحلقة اللغز في هذه العمليات، التي كان الهدف الأكبر منها إخضاع العملاق الروسي و تمريغ أنفه بالتراب. بفضل عمل الشركة الدؤوب، صار الإمبراطور السلافي الجديد، عضوا بمجموعة " كارليل" [16] ليضع جزءا كبيرا من الموارد البترولية الروسية بين أيدي الولايات المتحدة، دون أن يغفل عن حلمه الأسمى للرئاسة. وكانت الشركات البترولية الأنجلو- أمريكية قد استثمرت ملايير الدولارات في روسيا، و سعت لضمان استقرار استثماراتها. غير أن نشاطات "يوكوس" شكلت خطرا جسيما على الأمن القومي، لأنها كانت تسيطر فعليا على إنتاج ثلثي أنابيب النفط والغاز بالبلاد.

وقد اهتم المكتب الوطني للاستخبارات الاجرامية" National Criminal Intelligence " هو الآخر بدراسة حالة شركة "يوكوس "ع منذ أمد طويل. وكانت إحدى الطرق المتبعة لهذا الغرض، تتمثل في تجميع الأدلة الكافية عن نشاطات غير الشرعية لأحد رجال الأعمال، لتعرض عليه فيما بعد الحصانة مقابل العمل ألاستخباراتي المنتظم. انه ستيفن كروتيس [17] خبير الفضاءات المالية غير المراقبة ضريبيا،شارك في تأسيس بنك "ميناتب" منذ سنة 1997، و عين مديرا تنفيذيا للبنك في نوفمبر 2003، خلفا ل"بلاتون ليبيدي". كان على معرفة كبيرة بتعاملات البنك المالية و بهويات أصحاب الأسهم، غير أنه توفي في ظروف غامضة أثناء انفجار طائرته العمودية، بعد أن التقى في العديد من المرات مع أشخاص من مكتب " NCIS ".

وحسب أريك شميت ايمبوم [18]، فأن مكتب الاستعلامات الفدرالي الألماني [19] "BND " قد أرسل الوثائق التي تشرح عمليات تبييض الأموال الممارسة من قبل "ميناتب" الى الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك عبر وساطة المستشار جيرهارد شرودر. لقد تم تجميع كل تلك الأدلة طوال فترة التحقيق حول اختفاء أموال من الحزب الشيوعي قبل إعادة توحيد الألمانيتين.

كان خودوركوفسكي واحدا من رجال الأعمال الروس الأوائل الذين طالبوا بالشفافية و بالتسيير على الطريقة الغربية، ومن المساهمين في الخيري. كان يصرف 300 مليون دولارا سنويا لأجل تحسين صورته إعلاميا. وقد كانت سياسة تكتل رجال الأعمال في الغالب، تدمير اقتصاد البلاد، نهب خيراته الطبيعية و خفض المستوى المعيشي للشعوب. وكان خودوركوفسكي نفسه قد عبر عن فلسفته قائلا " ان الحاجة الملحة لإعادة توزيع الخيرات لا تنسجم مع متطلبات الاقتصاد الحديث".

حسب رأي السيد نيكولاي بروبيرني، رئيس تحرير الجريدة الروسية " Jewish News "، "فانه قد تم استدعاء خودوركوفسكي بصفته زعيما تجاريا، و ليس بصفته زعيما يهوديا، وهذه القضية إذن ليست لها علاقة بالجالية اليهودية."وقد تم اعتقال الميسر السابق لشركة يوكوس من طرف الشرطة يوم 25 أوكتوبر2003، و هو متجه نحو مطار نوفوروسيسك. وقد اعتبرته المحكمة مسئولا عن تسع جرائم، بما فيها السرقة والاحتيال على مستو واسع وبشكل جماعي و منظم، زيادة على التهرب من الدفع الضريبي، عدم احترامه لقرار قضائي.. الخ. هذا الأخير مسئول أيضا عن تزوير جبائي لحسابه الشخصي، مع إدانة لمدة تسعة أعوام نافذة، و إن وضعنا في عين الاعتبار الاعتقال المعمول به، و الطعن في الحكم المحتمل، فقد يخرج من السجن عام 2008 [20]، فانه يمكن من جديد إدانته بتهمة تبييض الملايير من الدولارات في سنوات القرن الواحد والعشرين.

وتبدو هذه العقوبة صغيرة مقارنة مع 85 سنة سجن، والتي حكم بها على السيد " برنارد ابرس، المدير العام السابق لشركة "ووردكوم" ، بتهمة تزوير حسابات بنكية. غير أن الصورة الإعلامية الغالبة عن خودوركوفسكي في الصحافة الغربية، لا تخرج أساسا عن بعض المقالات النمطية، والتي أدينت فيها الستالينية الجديدة لهذا الزعيم، رغم أن وضعه شبيه جدا بوضع رجل الأعمال الجزائري رفيق خليفة، الذي كان هو الآخر شخصية لا تنتقد حينها، والتي لم تتناولها وسائل الإعلام على نفس الشاكلة التي عومل بها الزعيم الروسي.

أما بالنسبة للقاضي "ايوري بيرجوكوف [21]، فان موظفي "يوكوس" كان يمارسون دوما نشاطات اقتصادية غير مشروعة. كما يعترف في نفس السياق أيضا، أنه حتى لدى أهم الشركات الغربية، كان هناك هامش لما يعرف باقتصاد الظل.، لكن حجمه لا يتجاوز 30% من عموم التعاملات. أما فيما يتعلق بشركة "يوكوس"، فإن الأمور كانت تسير بالاتجاه المعاكس، اذ لم يعد اقتصاديو صندوق النقد الدولي الليبراليين هم الذين يسيرون روسيا، كما في زمن "يلتسين"، بل حل محلهم القوميون. وهوالنمط الشبيه والقريب من التجربة الديغولية لفرنسا ما بعد الحرب، أو بالحكم التسلطي المتمازج مع اقتصاد السوق في "شينغ هي" في كوريا الجنوبية. لقد عرف عالم الأعمال مقاومة كبيرة، وبدت هذه المرحلة طويلة وأكثر توترا و كادت الدولة أن تفقد سيادتها. وبعض هؤلاء مثل السيد بيريزوفسكي و غوسنسكي تم طردهم، والبعض الآخر قبلوا بإعادة نسبة من أموالهم إلى الداخل، و بالتالي نالوا حالة من الحصانة. لقد أخد خودوركوفسكي روسيا رهينة و كان يبذل طاقة كبيرة ليحتفظ بخصوصيته.

حسب وليام برودير [22]، فان الرئيس بوريس يلتسين، سمح بخصخصة 30% من الاقتصاد في البلاد بقيمة 1.2 مليار دولار، خصخص فلاديمير بوتين ما نسبته 0.4% بقيمة 4.7 مليار، أي بمقاربة تصل من 1 إلى 300.. وهذا ما يشعر شعبه بالامتنان نحوه، إذا ما صدقنا استنتاجات عمليات سبر الآراء.وتشير أرقام نتائج الخصخصة وحدها الى شراسة ذلك المسار الاقتصادي، الذي عرفته سنوات التسعينات ، والتي لم يتم تسديدها و كان خودوركوفسكي وحده من دفع التكاليف. أما عن "أناتولي تشوبايس" زعيم الشركة الرئيسية للكهرباء و مهندس عمليات الخصخصة و الذي تسميه جريدة البرافدا "الزعيم الأكبر لأباطرة رجال الأعمال"، كاد يخسر حياته في محاولة اغتيال. ويرى "الكسندر غوردفارب" [23]، أن مجموعة "ألفا" هي الصيد القادم للكرملن في اطار ما يسميه مخطط إعادة تقسيم الثروات. أما من جهتهم، فالممولون الأنجلوسكسونيون الذين استفادوا كثيرا من تلك الجرائم الاقتصادية، ينادون الآن إلى إعادة التأمين. وبالنسبة للعديد من الملاحظين الروس، فإن الرئيس يسعى إلى إيجاد سقف توافق مع رجال الأعمال. توافقا مبنيا على عفو شامل على أموال البلاد التي هربت الى الخارج وعلى مهربيها، مقابل اعتراف هؤلاء بتورطهم، وهذا سيتستدعي منهم طبعا التزاما وطنيا من جانبهم. والآن نفهم جيدا سخط المستثمرين الأمريكيين وعلى الخصوص منهم مجموعة "كارليل" بعد أن فشلت في وضع اليد على روسيا. لقد أعلنت المجموعة للتو أنها ستغلق مكاتبها في موسكو و أنها ستلغي مخططات استثمارية بقيمة 300 مليون دولار في روسيا [24].

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: ياسمينة صالح جميع الحقوق محفوظة 2005©

[2Mejdunarodnii Nautchno Texnitcheskovo Programmii- programme scientifique et technique

[3Roumiana Ougartchinska, KGB & Cie à l’assaut de l’Europe, Anne Carrière, 378 p.

[4عراب الكرملن ـ بوريس بيرزوفسكي و نهب روسيا، روبرت لافونت، 2001.

[5كان لفترة مستشار"ايفان سيلايف" في وزارة الطاقة و شارك في الزيارة الرسمية الى اسبانيا عام1994،على سبيل المثال.

[7http://www.compromat.ru/main/hodorkovskiy/opg.htm, 14-05-05"
المقال مأخوذ من " Rousski Journal "، 14-05-05،

[8رئيس نقابة النقالين يدلي بشهادة منشورة في جريدة " Rousski predprinimatel " نوفمبر 2004.

[9http://www.compromat.ru/main/hodorkovskiy/zhensk1.htm ،مأخوذ من " Delovoï vtornik "08-03.

[10مادة منشورة في " Rousski predprinimatel " نوفمبر 2004، ألكسندر تريفونوف.

[11Le Figaro 8-10-2003

[13مصطلح Off-SHore بالانجليزي، أو Les paradis fiscaux بالفرنسي، هو مصطلح اقتصادي نتج كافراز للسياسات الاقتصادية الغربية الرأسمالية، ويقصد به مناطق التبادل التجاري والاقتصادي الحر، غير الخاضع للمراقبة القانونية المالية والضريبية. والشق غير الفرنسي من مقاطعة " الأنتيي" مثلا، يعد من المناطق المشهورة بهذا النوع من التسيير الاداري.

[15Roumiana Ougartchinska, op. cit

[17Gazeta du 27 avril 2004

[18خبير في الاستخبارات، أدان فيما سبق النشاطات التجسسية لمركز جورج مارشال و الدعم الألماني للألبان كوسوفو مثلا.

[19" Bundes Nachrichten Dienst "هو مكتب الاستخبارات الخارجية الألمانية

[20Vedomosti 1-06-05

[21Argumenty i fakty 12-01-05

[22http://msnbc.msn.com/id/7935919/site/newsweek/, il dirige le Hermitage Fund، صندوق الاستثمار الأكبر الممنوح لروسيا

[23أستاذ جامعة كولومبيا مقرب من بوريس بريزوفسكي، كتب مقدمة كتاب " ألكسندر ليتفينكو" جمعية أشرار على طريقة " Loubianka " و الذي ذكر فيه ضابط سابق من مكتب الاستخبارات الروسية كيف أن بوتين طلب منه اغتيال بيريزوفسكي