حينما تقع البقرة تكثر السكاكين والجزارين، ويعتبر كثير من المراقبين أن النظام السوري آيل للسقوط أو على الأقل في أسوأ مراحل استمرار حكمه، خصوصا وأنها الدولة الوحيدة في المنطقة لم تطلها التعديلات وتستمر بممارسات شمولية ومازالت تقيس الظواهر بأدوات عافها الناس مع مراسم توديع الحرب الباردة. ولا شك ان الوضع المأزوم في سوريا يحتمل كل الخيارات، ونزلت كل الخيول لميدان السباق بغثها وسمينها. هذا الوضع انتج فقاعات كثيرة وبدأت صناعة الأحزاب والجمعيات والمؤسسات وما شابه منذ عام 2000 ومرت بمد وجزر، واستطاع النظام عبر أجهزة مخابراته أن يزرع بذور معظم الناشئين ويراقب انتاشها في الوسط العربي والكردي وغرسها على الدروب والساحات، وسمح لها أن تنشط في إطار مسبق الصنع وتنتهي بتأدية رسالتها، أو الهدف الذي أنشئت من أجله. ربما تشذ عن هذه القاعدة بعض الأحزاب التي أسست في المهجر فطالها التخوين فور الإعلان عن ظهورها.

مذّاك عقدت أطياف المعارضة السورية فرادى ومثنى سلسلة من الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات وكثر اللغط وعلا الصراخ وسطعت نجوم وأفُلت أخرى. ويبدو أن الحراك السياسي السوري يتزايد طردا مع الصغوط الدولية المطبقة على نظام دمشق وبدأت تتعاظم بالتمديد القسري للرئيس لحود الموالي لنظام دمشق مرورا بالقرار الدولي 1559 وبلغت ذروتها بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وتورط النظام السوري بتدبيره. ومن ضمن هذا الكم الهائل من المؤتمرات والاجتماعات التي تخرج من بين الركام ما سمي بالمؤتمر الوطني السوري – باريس المزمع عقده في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2005م. فلنستعرض الحدث ونحاول قراءته وفقا لما توفر من معطيات، مع إدراكنا المسبق أن رأينا يحتمل الخطأ أو الصواب.

المؤتمر الوطني السوري الباريسي – أيلول 2005م.

فور ظهور ما سمي بمنظمة أو تنظيم "التجمع من أجل سورية" وبدون مقدمات دعى لمؤتمر وطني شامل دون أن يعرف عن نفسه وبرنامجه خلافا للعادة المتبعة في السوق السياسية السورية التي تتوجس خيفة من كل جديد يقتحم الساحة. ولم يمض سوى أسابيع وإذ به يحدد موعدا لمؤتمر يجمع كل السوريين، وبسرعة البرق انضم أيتام الغادري إلى لجنته التحضيرية لهذه الفعالية السياسية. فمن هم الداعين وماذا نعرف عنهم يا ترى؟

الشخصيات الداعية للمؤتمر:

حين يغيب الهر تكثر الفئران، وفي ظل غياب معارضة سورية حقيقية موحدة من عرب وكورد وغيرهم، برزت اسماء جديدة وأخرى مستعملة وفي مجملها متطفلة على الساحة السياسية وطهرت فجأة وطرحت بضاعتها في السوق السياسية وبدأ العرض والطلب والمساومات.

- فهد المصري الأرغا: صاحب الدعوة ظاهريا اسمه فهد الأرغا المصري، وكان يشغل حتى الأمس القريب منصب مدير مشتريات مكتب الدكتور رفعت الأسد وابنه سومر من شاي وقهوة وفطائر. وباعتبار أن العمل ليس عيبا، ولا يجرد المرء من صفاته الوطنية وحقوقه السياسية، ورغم أن الرجل لا يحمل شهادة دكتوراه لا بقلي البطاطا ولا تحضير الفول المدمس خلافا لما أشيع، يبقى اختياره لهذه المهمة أمرا غير موفقا من صحبه ومؤيديه إن وجدوا، ولا ضير أيضا أن يتخذ من أحد العارفين بلعبة السياسة مهندسا للفكرة ويشرف على صياغتها. أما أن يختار الحارث الخيّر منظما وعبد الحميد الأتاسي موثقا يصير كمن يعالج الفالج.

- الحارث الخيّر: مدير مكتب رفعت الأسد يقوم بالتنظيم والإعداد للمؤتمر في باريس منسقا مع شخصيات فرنسية وموظفين من وزارة الخارجية على قاعدة علاقة شخصية.

- عبد الحميد الأتاسي: يشرف على إعداد وثائق المؤتمر السيد عبد الحميد الأتاسي، وهو الشخصية الفاعلة في مؤتمر باريس، ويعتبر واضع الصياغة الأولية لمسودة المشروع والمشرف على وثائقه. ويشار إلى أن السيد الأتاسي فقد أموالا طائلة على طاولات القمار، وكان قد جمعها من امتيازات كثيرة وفرها له النظام العراقي السابق، فقدها هي الأخرى بسقوط نظام صدام حسين، وفقدت زوجته عملها في السفارة العراقية. والآن له مرتب من ميزانية الصندوق الذي خصصه الدكتور رفعت الأسد لتمويل مؤتمر المصري الباريسي، وعلى نجاحه أو فشله تتوقف المرتبات القادمة للمشاركين.

- ويتخذ من د. فهد الأرغا المصري الذي بالكاد يحسن القراءة والكتابة واضعا حرف الدال أمام اسمه علّه يسوّق ما لا يسوّق في سوق السياسة السورية، خصوصا وأن الدكتور رفعت رغم أن اسمه يعرفه القاصي والداني لا يحظى بشعبية من المحبين، لإرتباطه بمجازر ارتكبها نظام دمشق في ثمانينات القرن الماضي نفذتها وحدات "سرايا الدفاع" بقيادة الدكتور رفعت الأسد آنذاك.

- هشام الشيشكلي: وهو أحد موظفي الدكتور رفعت ويشارك في المؤتمر كشخصية مستقلة على الأقل في البداية.

- أيتام الغادري: ويمثل هؤلاء شخصيات طفت على سطح السوق السياسية داخل سلة السيد الغادري أسقطها لاحقا من حساباته ومنع عنهم المخصصات المالية واقتصرت على تكاليف السفر والإقامة فبحثوا عن ضرع مدر، وهم من الذين يعتاشون على المعونات الاجتماعية ولا يملكون شروى نقير، ومؤخرا تهاتر بعضهم حول بيع شهادات حسن سلوك للحصول على حق اللجوء في ألمانيا باسماء أحزابهم التي هي مرفوضة أصلا في الوسط الكوردي نتيجة انتهازية الشخصيات التي أسستها على شكل أحزاب أسروية واصحاب. فمثلا توفيق حمروش مسؤول منظمة الشباب في حزب العمال الكوردستاني المصنف بقائمة الإرهاب في أوربا وأمريكا، ومحرم حسن (يسمي نفسه جان كورد) عضو سابق في جماعة الأخوان المسلمين وبتأثير الهجمة القومية الكردية التي عصفت بالمنطقة جراء القمع العروبي انتسب لحزب كوردي بعثي موالي بزعامة الأستاذ عبد الحميد حاج درويش، ومعه ثلاثة آخرين من المطرودين من تيارات كوردية ألتقوا ليؤسسوا ما يسمى بحزب الكردستاني الديمقراطي الداعي لاستقلال كردستان سوريا. وكذلك شاب متحمس اسمه فراس نزار قصاص، ظهر على التلفاز بقصة شعر مودرن ويعلق بأذنيه أقراط، متزوج من إمرأتين، ويدعو للإباحية في سورية. ويشاع أن هؤلاء تم اعتقالهم لدى وصولهم مطار نيويورك حين لبوا دعوة السيد الغادري الذي طلقهم على اثر اجتماع آخر لما يسمى تحالف الغادري في بروكسل للمعارضة الأميركانية. وباءت بالفشل كل الدعايات التي سوقوها في ألمانيا لجذب الأعضاء مصورين وصول أي كوردي لباب الغادري مرهون بموافقتهم وهم أمناء صندوقه المالي.

- تيار المستقبل الكردي: وهذا طرف يتوقع له مستقبل معتبر في الوسط الكردي وهو الوحيد من بين المشاركين يمكن اعتباره الأثقل وزنا بينهم جملة وتفصيلا. ويستغرب مراقبو الشأن السوري العام وجود هذا الحصان في هذه الزريبة.

- التجمع من أجل سورية: يفترض أن يكون اسم المنظمة التي يرأسها المصري وهو حبر على ورق خلال إعداد هذا البحث اتصلنا بكل من نعرفهم في باريس وألمانيا فلم نعثر على شخص واحد سمع بهذه المنظمة الداعية للمؤتمر والتي يفترض أن لها باع طويل في عقد مثل هذه الفعاليات ويدرك اهميتها من خبرته العملية.

- حزب عشيرة المسلط: وهو حزب من نموذج فريد من نوعه، لأنه خليط عشائري وحداثي بنفس الوقت، تم تأسيسه ليكون الحزب الأمريكي السوري المرشح لدخول الجبهة البعثية ويشطب على الغادري لدى محبي الكاوبوي. وهو في مضمونه موالي وليس معارض للنظام، بل يدعو لإصلاحات طفيفة في السلطة وربما كان البعث أكثر وضوحا بالإصلاح من المسلطيين.

- أعضاء لجنة الإعداد والتنظيم للمؤتمر الوطني السوري الباريسي: ظاهريا ولذر الرماد في العيون تم سرد ما يلي: تيار المستقبل الكردي في سورية ـ حزب الحداثة والديمقراطية ـ حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سورية ـ الحزب الديمقراطي الكردستاني سوريا ـ التجمع من أجل سورية، المراقب القانوني للمؤتمر : المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية. وهي كلها لا رأس لها ولا ذنب ولا جسد. ولكن أموال رفعت يبدو أنها تجذب الذباب والدبابير معا وباب الانضمام مفتوح للقادمين الجدد.

قراءة خاطئة لواقع صحيح:

ربما يصعب على المرء العثور على تفسير لظاهرة الهيستيريا الجديدة في أوساط المعارضة السورية، وبدل الاستنتاج ربما نطرح بعض التساؤلات، ونترك للقاريء أن يخلص للنتيجة التي نعجز عن استخلاصها.

لقد فشل الدكتور رفعت الأسد بمصافحة الغادري والبيانوني معا أو كل على انفراد لاعتبارات عديدة، ففتح تلفزيونه للسيد حسن عبد العظيم وآخرين ليستخدمهم جسرا يلج عبره باب المعارضة وهذا المؤتمر ليس إلا اكسسوار يعي تماما الدكتور أنه لا يؤخر ولا يقدم، لكنه شر لابد منه، وعلى الطريق مثلهم كثير.

من أين التمويل وهذه الشخصيات كلها لا تملك شروى نقير؟

هل نفقت الخيول الأصيلة فأسرج الدكتور على المصري بلجام وركاب؟

هل فشل الغادري بإعالة أيتامه فابتاعهم الدكتور؟

هل صدق الدكتور عماد مصطفى حين صرح في واشنطن لصحيفة أمريكية محلية أن كل المعارضة مخترقة بمن فيهم حزب الغادري؟.

هل طلق الغادري حلفاء الأمس بعد أن اكتشف أن رفعت يخترقه عبرهم؟

بالأمس حلف أيتام الغادري بما يسمى وثيقة واشنطن المستقوية بأمريكا واليوم يصفقون بصف عبد العزيز المسلط الذي لا يعارض أحدا ؟

هل يخرج أيتام الغادري من مُولد الدكتور رفعت بلا حمّص مرة أخرى؟

هل يقدم مشعل التمو على الانتحار في المهد أم أنه يلعب على الحبال بصرف النظر عن النتائج، والمهم اللعب وفقط اللعب؟.

هل نضب ضرع الغادري قبل الفطام فدرّ رفعت ليرضع أيتامه ويتبناهم؟

لماذا تروج مواقع الانترنيت الموالية للنظام لهذا المؤتمر أو على الأقل لا تشنع به كما تفعل مع الأخوان؟

لماذ يصر فهد المصري على استثناء البعث والدكتور رفعت من الدعوة ما لم يعتذروا؟ وعماذا الاعتذار؟

لماذا خصص تلفزيون الدكتور الأسد برنامج قبل أيام للتشهير بحزب السيد الغادري وحزب الأستاذ البيانوني ويروج للعرس الباريسي؟

هل سيتيتم الباريسيون كما تيتم من ذي قبل الواشنطنيون حين تخلى عنهم البيانوني والغادري وضل الصبية؟

هل المؤتمر برمته لتقزيم المعارضة ككل وتقريع خيولها وقطع أنفاس حصاني البيانوني والغادري؟

هل هو لخلق معارضة صنيعة يدخل الدكتور رفعت على ظهرها كجسر للمعارضة ويفرض نفسه عليها بساطها؟

مصادر
إنتلجنسيا (باريس)