في غمرة استغراق اللبنانيين شبه الكلي في رصد خط سير رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، المحقق الالماني ديتليف ميليس، وما آل اليه التحقيق الصعب الذي يتولاه منذ نحو خمسة اشهر، برزت فجأة في الاوساط الإعلامية معلومات عن حصار من الجيش اللبناني لقواعد تابعة ل “الجبهة الشعبية القيادة العامة” التي يتزعمها احمد جبريل في منطقة الناعمة الواقعة على تخوم العاصمة بيروت. وتترافق هذه المعلومات، المتواترة تباعاً منذ نحو ثلاثة ايام، مع أنباء عن إجراءات تبذلها وحدات امنية لبنانية على الحدود اللبنانية السورية في منطقة البقاع، للحيلولة دون تسلل عناصر وقيادات تنتمي، الى هذا التنظيم الفلسطيني، الى داخل الاراضي اللبنانية حيث لهذه الجبهة قواعد ومقار.

الجلي في الأمر ان ثمة محاولة لإلقاء الاضواء الساطعة على هذا التنظيم بالذات، وعلى دور مزعوم له داخل لبنان وعلى “وظيفة” امنية وسياسية مستقبلية يمكن ان تُسند له وهو التنظيم المقرب جداً من سوريا والمحسوب عليها تاريخياً.

ومن الطبيعي انه عندما يدور النقاش حول تنظيم فلسطيني ان يمتد الحديث ليطاول مسألة حاضر السلاح الفلسطيني في لبنان ومستقبله، وهو موضوع كامن دائماً ويمكن بالتالي تحريكه وإثارة الغبار حوله عندما تريد جهة أو شخص ان يخلق مادة سجال سياسي او يثير موضوعاً فرعياً الى جانب السجال السياسي القائم يستخدمه او يحرفه الى جهة معينة. وعليه فإن كثيرين من المحللين السياسيين الموضوعيين ينظرون الى هذه “المادة” السجالية، المثارة خلال الساعات ال 48 الماضية في لبنان، بكثير من اللامبالاة، او بمعنى آخر يتقصدون عدم البناء عليها، على نحو يجعلها في واجهة الحدث اللبناني، بل ويسارعون الى وصفها ب “الحرب الصغيرة” التي توضع في خانة “الحرب الكبرى” المندلعة بين بيروت ودمشق منذ اغتيال الرئيس الحريري في شهر فبراير/ شباط الماضي وصولاً الى اليوم، والتي تتخذ اشكالاً وصوراً متعددة، وتزج فيها مواد وأوراق عدة.

وعليه فإن ثمة من يعتقد بأنه اذا كان دقيقاً ان هناك تحركات وحشوداً لعناصر هذا التنظيم، المؤتمر بأمر القيادة السورية، واذا كان دقيقاً ايضاً ان الجيش اللبناني يُحكم الطوق على عناصر هذا التنظيم وقواعده، فإن الأمر لا يعدو كونه جزءاً من الضغط غير المباشر المتبادل بين السلطتين اللبنانية والسورية والمتمظهر في اشكال وجبهات عدة. ويذهب انصار هذا الرأي في قراءتهم لأبعاد هذا الأمر المستجد الى أبعد من ذلك، فيقولون، لأن الحكومة اللبنانية باتت بأمس الحاجة الى ورقة عاجلة تظهر فيها قوتها وحضورها بعد القصور الذي ابدته في ضبط الوضع الامني ولا سيما بعد محاولة اغتيال الاعلامية مي شدياق، وقبلها الانفجارات المتعددة مما حاصر الحكومة بشبهة التقصير والعجز، ووضعها في موضع صعب. لذا فإن الحكومة اللبنانية ذهبت في اتجاهين الاول الاستنجاد بالخارج ولا سيما الولايات المتحدة والثاني افتعال “حرب صغيرة” تكاد تكون زوبعة في فنجان مع تنظيم جبريل.

وعليه ايضاً فإنه غير صحيح اطلاقاً اعتبار هذا الامر الحدث بداية لما بات يعرف في القاموس السياسي اللبناني ازالة السلاح الفلسطيني من المعادلة الداخلية والاقليمية، وغير صحيح ايضاً ترقب أن يتطور الحدث الى معارك كبرى حقيقية، فالاجواء والمناخات اللازمة لكلا التطورين الكبيرين غير متوفرة الآن على الاطلاق، وبالتالي فإن تداعيات الحدث ستبقى محصورة في نطاق السجال الاعلامي والبحث عن منافذ للخروج من متن النص السياسي اللبناني اليومي الى الهوامش.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)